الخميس 18/سبتمبر/2025
"فلاش …"

"فلاش …"

نبض الكلمة
رندة المعتصم أوشي

والفن قضية، بل إجابة وتفسير لأسئلة الحياة، وفك ما فيها من أسرار، والغناء جنس رفيع من منظومة الفنون الإنسانية. كلنا يروي ظمأ أشواق ولوعة، إذا رن وتر أو ضرب دف. هكذا هو الغناء: كابح للحزن، نافح لعطر الحياة ومسراتها؛ غير أننا نفتح نافذة لمضمار ثانٍ، ربما، ربما لم تنثر عليه إضاءات ساطعة، إنه التوثيق، للناس والحياة، وهي مسؤولية تكمل التوثيق المادي ومعالم التاريخ السياسي. غير أن الفن الغنائي بلغ شأنا عظيما فيما يُشار إليه بالتاريخ الاجتماعي.
شاعر السودان العظيم محمد المهدي المجذوب كتب، بل رسم لوحة \"ليلة المولد\"، وكلنا يعي كيف أحالها الكابلي إلى لحن تسمعه، تشب أمامك لوحة المولد وخيامه المتبرجات، ونوبة وطبل وشيوخ عصفت بهم حميا الوجد. هذا هو المولد، وقد تمضي سنون ثم تغيب جل مفرداته أو بعضها من أرخبيل الذاكرة.
\"وزها ميدان عبدالمنعم
ذلك المحسن حياه الغمام
في جموع تلتقي في موسم
والخيام، قد تبرجن وأعلن الهيام\"
وقد يأتي زمان، في خطوة سريعة، يمحو هذه المشاهد الفلكلورية التراثية، فلا يدرك أطفالنا ما زها من نشاط وجماليات في إطار حياتنا الروحية أو طقوسها.
\"وهنا حلقة شيخ يرجحن
يضرب النوبة ضربًا
فتئن وترن، ثم ترفض هديرًا
أو تجن\"
هذا التوثيق الصوتي البديع يودع به كابلي من ثقافته الفنية والموسيقية، ينقلك إلى ساحة الحلقة، وضربات النوبة، وصيحات المنشدين الذاكرين، ولا ينسى اصطحاب ذلك التناغم: الله… الله… الله…. ثم يوظف الصوت بحيل بارعة، خفوتًا وتجهيرًا، وكما يتطلب الوضع.
برع كابلي في حفظ لوحة توثيقية لمنتج فني بهي. ظني أنه، إذا وضعنا هذا العمل أمام سمع فنان تشكيلي، لوضع بفرشاته لوحة لا تنأى كثيرًا عن الأصل. ولـ محمد عبد الكريم الكابلي لوحة رسم، دون الطبيعة في جبل مرة، في \"قلول\" و\"سوني\" و\"نيرتتي\"، والينابيع المتدفقة في \"بركة الشيطان\".
\"صفرة وحمرة… زرقة وخضرة
زحمة نضرة… وزفة ألوان
بين غيمة تغازل كل زهرة
وخيال رمانة على المجرى\"
ثم يصور كابلي \"الجدول الهيام\"، عمل متكامل أنجزه كابلي. ثم كان لكابلي وإسحاق الحلنقي منازع بديعة، مدهشة، نص هو توثيق لمناخ من الفرح والغبطة.
\"عقبال بيك نفرح يا زينة\"
هذا \"الألبوم\" بديع تخطر الفرحة فيه، تثب في ساحات بيض، فرح يهش فيه الزهر، تدور أكؤس الذكريات، توقد الشموع في ساحة دار \"بيضا ونايرة مفروشة بزهر الياسمينة\". لعله فرح تحت سفح الجبل الوسنان، و\"توتيل\" \"يصفق بالرحيق السلسل\".

0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار