خليك دبلوماسي
محمد مامون يوسف بدر
بعد أكثر من عامين من الصمت الذي فرضه صوت الرصاص ودمار الحرب، عادت الذكرى العطرة لتطل بوجهها المشرق على قلب السودان النابض، الخرطوم. ففي مشهد يعيد للأذهان معاني الوئام والألفة، احتفت محلية الخرطوم بذكرى المولد النبوي الشريف، معبرةً من خلال هذه الاحتفالية عن صمود الإنسان السوداني وتعلقه بقيم المحبة والسلام التي جاء بها سيد الخلق، النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
كانت الاحتفالية، التي غابت عن العاصمة بسبب الحرب على أجزاء منها وما رافق ذلك من أوضاع أمنية متردية ومعاناة إنسانية كبيرة، رسالة قوية بأن الحياة ستعود وستنتشر روح الأمل من جديد. فتحركت \"زفة المولد\" المهيبة من مسجد البرهانية المجاور للسوق الشعبي، حاملةً معها أناشيد المديح النبوي وعبق التاريخ، ومعلنةً رفض الظلام ورفع راية الفرح والإيمان.
في رمزية واضحة على دعم الدولة لهذه المناسبة الروحية، إلى جانب قيادات الأجهزة الأمنية التي عملت على تأمين المسيرة، مما أعطى المواطنين شعورًا مطمئنًا بعودة نُظُم الحياة تدريجيًا. كما مثّل حضور شيوخ ومريدي الطرق الصوفية المختلفة نسيج السودان الروحي الواحد، مؤكدين على أن رسالة المحبة والتسامح أقوى من كل دعوات الكراهية والتفرقة.
طافت الزفة بشوارع العاصمة، من شارع 41 إلى الحرية ثم الصحافة وظلط، وصولًا إلى باشدار، كأنها تبعث الحياة في كل شارع وكل زاوية عانت من جراح الغياب، وانتهى المطاف بالمسيرة المهيبة في ميدان المولد بساحة البرهانية، حيث تجمع المئات من أبناء المحلية، رجالًا ونساءً وأطفالًا، ليشاركوا في إحياء هذه الذكرى الخالدة من خلال حلقات الذكر والمديح وتلاوة القرآن الكريم، متذكرين سيرة النبي الكريم ومستلهمين منها دروس الصبر والعزيمة والأخلاق.
إن عودة الاحتفال بالمولد النبوي في الخرطوم هذا العام ليست مجرد مناسبة دينية عادية، بل هي إعلان عن رغبة جامحة في الحياة، وتأكيد على أن نفحات المحبة ستبقى أقوى من قذائف الحرب، وأن نور الحق سينتصر في النهاية على ظلام العنف والدمار.
إنه يوم تاريخي يُكتب في سجل مدينة الخرطوم كأول خطوة على طريق العودة إلى الحياة الطبيعية تحت راية النبي الشفيع، صلوات الله وسلامه عليه.
0 التعليقات:
أضف تعليقك