الخميس 18/سبتمبر/2025
أب حضوره غياب

أب حضوره غياب

في الصميم

حسن أحمد حسن

أتمنى من كل أب متزوج وله أبناء أن يستمع لهذا الحوار الذي تقوم به تلك الأم مع ابنتها الصغيرة، حيث تقول لها من داخل أعماقها:

سامحيني صغيرتي، لم أختر لكِ أباً صالحاً حنوناً كأبي.

لم أختر لكِ أباً يراكِ أميرته المدللة ويضع مشاعركِ فوق كل اعتبار.

لم أختر لكِ أباً مستعداً لمحاربة الكون لأجلكِ.

لم أختر لكِ أباً تشعرين بالأمان والطمأنينة بوجوده.

لم أختر لكِ أباً يدخل من باب المنزل مسرعاً كي يحضنك ويحملك بين ذراعيه ويخبركِ كم يحبكِ كأبي.

هو يراكِ ويراني، ويرى إخوتكِ عبئاً. يعتبر أي شيء في الوجود أولوية سوانا. لا تجتمع الأبوة والأنانية معاً. حين يولد الطفل تتبدل أحلام الأهل وأولوياتهم تلقائياً، ويصبح حلمهم الوحيد أن يتمكنوا من تأمين مستقبل سعيد وآمن له.

أولويات والدك لم تتبدل، ما زال يقضي يومه بعد العمل مع أصدقائه ويغيب عن المنزل كأنه مسافر، هو حاضر غائب، يعود حين تنامين. لا يسأل عن يومك ولا عن مشاكلك، تماماً كما لا يسأل عني. وحين يتواجد يبدأ بالصراخ والانفعال وزرع التوتر في أرجاء المنزل.

آسفة صغيرتي، لم أختر لكِ أباً يجعلك تركضين نحو باب المنزل بلهفة وفرح حين تسمعين صوت مفتاحه، بل أباً تشعرين بالقلق عند دخوله لأنك تعرفين أنه سيختلق مشكلة عندما تقومين بأبسط تصرف طفولي يشكل له مصدر إزعاج.

أنا آسفة لأنني اخترت لكِ أباً يسبب لك الخيبة في كل مرة ترسمين له رسمة أو تقدمين له هدية أو تحاولين التحدث معه.

لا بأس صغيرتي.. إنها تجربة صعبة. لكنك ستصبحين قوية، وستتعلمين مبكراً ألا تمنحي ثقتك لمن لا يستحقها، وألا تعطي مشاعرك لمن لا يقدرها، كما فعلت أمك متأخرة.. متأخرة جداً.

إنها رسالة تربوية قوية وجرس إنذار مدوٍ لكل أب ضعيف المشاعر والأحاسيس تجاه أبنائه، عليه أن يصحُ من غفوة نومه ويعطي زمناً من وقته لأبنائه. للأسف، هناك بعض الآباء لا يعرفون شيئاً عن أبنائهم، مثلاً لا يعرفون أين مدارسهم، ولا هم في أي مرحلة تعليمية، بل الأدهى والأمر أنهم لا يعرفون من هم أصحابهم ومع من يسهرون أو يقضون وقت فراغهم الذي قد يتحول إلى فراقهم.

علي كل ابن أن يتذكر المثل القائل: (يا باني غير ملكك، ويا مربي غير ابنك).


0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار