هلال وظلال
عبد المنعم هلال
ـ ودع منتخبنا الوطني بطولة الشان الأخيرة من نصف النهائي بعد مشوار مقبول قاد صقور الجديان إلى مربع الذهب، لكن سرعان ما اصطدم بواقع صعب هو ذاته الواقع الذي ظل يلاحق الكرة السودانية لسنوات طويلة: نتائج متذبذبة، وأداء غير مستقر، وطموحات كبيرة تصطدم دوماً بإمكانات محدودة. هنا يفرض السؤال نفسه بقوة: إذا كان المنتخب قد توقف عند نصف النهائي في بطولة للمحليين، فهل يملك القدرة على تجاوز التصفيات الأفريقية المؤهلة لكأس العالم، وهي الأصعب والأكثر شراسة؟
ـ ما بين الواقع والطموح تعيش الكرة السودانية حالة من المفارقة: جماهير عريضة مشبعة بالعاطفة والحب للمنتخب، وإعلام يتطلع دوماً إلى منصات التتويج، لكن واقع الميدان يكشف أن منتخبنا ما زال بعيداً عن مقارعة الكبار. الفرق التي تنافس في التصفيات مثل مصر والمغرب ونيجيريا والسنغال وحتى الكونغو الديمقراطية ومالي تمتلك أدوات أكثر حداثة: دوريات قوية، واحتراف خارجي واسع، وإعداد علمي وبدني، وبنية تحتية رياضية متطورة. في المقابل، يفتقر السودان إلى دوري منتظم وإلى بيئة مستقرة تدعم اللاعبين المحليين، فضلاً عن الظروف العامة التي أنهكت الرياضة.
ـ منذ قدوم المدرب الغاني كواسي أبياه إلى الجهاز الفني، ظهرت بعض الملامح الإيجابية: انضباط تكتيكي أفضل، وروح قتالية عالية، وتوظيف جيد لبعض العناصر الشابة، لكن يظل السؤال: هل تكفي شخصية المدرب وحدها لتجاوز التعقيدات الكثيرة التي تحاصر المنتخب؟ الإجابة ليست سهلة، فالتصفيات المونديالية تحتاج إلى فريق متكامل، ومدعوم بإعداد طويل المدى، لا مجرد اجتهادات فردية أو طفرات مؤقتة.
ـ بطولة الشان قدمت دروساً مهمة لصقور الجديان، أبرزها أن المنتخب يملك لاعبين موهوبين قادرين على القتال حتى اللحظة الأخيرة، لكن الفارق يظهر في التفاصيل الصغيرة: التمركز الدفاعي، واستثمار الفرص، واللياقة البدنية في الشوط الثاني. إذا لم يستفد الجهاز الفني من هذه الدروس، فإن مشوار التصفيات سيكرر سيناريو الشان وربما بصورة أقسى.
ـ الاختيار الصحيح لعناصر المنتخب الوطني هو الطريق نحو التفوق وتحقيق الانتصارات، غير أن تجربة منتخب المحليين أظهرت وجود بعض اللاعبين الذين لا يستحقون المشاركة في الوقت الذي تم فيه تجاهل عناصر أكثر جدارة وكفاءة. كما أن البدائل في المنتخب بدت عليهم مظاهر الضعف بشكل واضح، مما انعكس سلباً على الأداء العام للفريق.
ـ تصفيات كأس العالم لا تعرف المجاملة ولا تتيح مجالاً للأخطاء. كل مباراة تُلعب كأنها نهائي، وكل نقطة تعني الكثير. ومنتخبنا الوطني إذا أراد المنافسة الجادة، فعليه أن يبدأ من الآن في إعداد مبكر، بمعسكرات قوية، ومباريات ودية مع منتخبات من العيار الثقيل، وتجديد الدماء بمنح الفرصة للاعبين الشباب الموهوبين، وعدم الاكتفاء بالأسماء القديمة، مع استقرار إداري وفني، ودعم معنوي وجماهيري، فالجمهور السوداني إذا التفت حول المنتخب يمنحه طاقة إضافية.
ـ هل من أمل؟ قد يقول البعض إن الحلم بالمونديال ضرب من الخيال في ظل الظروف الحالية، لكن كرة القدم علمتنا أن المستحيل ليس في قاموسها. دول أفريقية كانت مغمورة، لكنها بعمل منظم وصلت إلى مراحل متقدمة قارياً، فلماذا لا يفعلها السودان؟
ـ خروج المنتخب من نصف نهائي الشان ليس نهاية العالم، بل قد يكون بداية لصحوة حقيقية إذا تمت قراءة الأخطاء بعين ناقدة لا بعاطفة جياشة.
أما تصفيات كأس العالم فهي الامتحان الأصعب، والفرصة الأخيرة لتأكيد أن الكرة السودانية قادرة على العودة، لا أن تبقى حبيسة ذكريات زمان.
فهل يستفيد صقور الجديان من التجربة الأخيرة لينطلقوا نحو العالمية، أم يظل السؤال المؤلم يتكرر: لماذا نتعثر دائماً عند نصف الطريق..؟
0 التعليقات:
أضف تعليقك