الخميس 18/سبتمبر/2025
الحاج سعيد وخدعة سراب التكنولوجيا

الحاج سعيد وخدعة سراب التكنولوجيا


الزبير نايل

حدّق طويلاً في صورته على شاشة الهاتف حتى ارتسمت على محياه ابتسامة عريضة وتنهدات من أعماقه. بدت له طلته أكمل ما يكون: وجه ناضر، وعينان صافيتان واسعتان كأنهما تنفذان إلى أبعد من أحلامه، جبين فسيح تنسدل عليه خصلات سوداء كثيفة، وأسنان متراصة لامعة جعلته يستعيد وصف عنترة لابتسامة عبلة: \"ولمعت كبارق ثغرك المتبسم”.

هتف في سره:

\"لا بد إذن من عبلة جديدة تحط رحالها في مضاربي وتستظل بخيمتي\"

الشارب المعقوف زاد نشوته، وهو الذي نشأ في بيئة ترى في الشارب تاج الرجولة وعنوان الهيبة. أحسّ أن صورته صارت صورة نجم في زمن صار فيه النجوم يصنعون بعلامة الإعجاب على جدار الفيس بوك. عاهد نفسه ألا يحبس هذه الوسامة في نطاق ضيق ويحرم منها المعجبين.

وبينما هو غارق في خيالاته، رنت رسالة على هاتفه تُذكره بموعده مع طبيب الأسنان لخلع أضراس أنهكها التهاب اللثة. انتفض وأسرع إلى المرآة، فإذا بوجه آخر يتراءى له: أخاديد وتجاعيد، شعيرات بيضاء على أطراف صحراء قاحلة، وشارب تهالك بفعل السنين يشابه شارب الكوميدي شارلي شابلن.

صاح مذهولاً: “هل أنا في حلم؟” وقبل أن يستفيق جاءته الإجابة الساخرة والشامتة من أم العيال التي كانت تراقبه:

\"خليك عايش مع وهم الذكاء الصناعي\"

تمتم ساخطاً:

\"نحن جيل يشيخ في المرآة لكنه يزدهر شبابه على شاشة هاتفه… تبا لها من تكنولوجيا زائفة مخادعة تبيعنا وهماً جميلاً ثم تتركنا وجهاً لوجه أمام قسوة الحقيقة\"

ثم ابتسم بمرارة قائلاً بصوت خفيض:

\"لقد صار الذكاء الاصطناعي أبرع من الحياة في رسم أحلامنا… لكنه للأسف أعجز من أن يرمم وجوهاً بدأت تتصدع\"


0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار