رحلتي إلى كسلا لتسجيل المدافع الفولاذي كانت مغامرة لا تُنسى
اتحاد كسلا فتح لنا الأبواب ومجدي وقّع بلا تردد حبًا في الهلال
الطيب عبد الله سلّم شيكين لإتمام الصفقة وسط أجواء من الصدق والالتزام
الراحل فوزي المرضي رشح مجدي .. وصديق فرح اختارني في لجنة الكرة
يفتح عبد العزيز الجعلي، عضو مجلس إدارة نادي الهلال ومدير الكرة الأسبق، خزائن ذاكرته وحنينه الأزرق في الجزء الأول من هذا الحوار المطوّل مع آكشن سبورت، مستعيدًا بداياته في النادي مطلع الثمانينيات، وصولًا إلى رحلته الشهيرة إلى كسلا لتسجيل اللاعب مجدي مرجان، في واحدة من أجمل وأشهر القصص في تاريخ الانتقالات بالسودان.
يتحدث الجعلي بصدق وشفافية عن زمنٍ كان فيه الهلال مدرسةً في الوفاء والانتماء، تُدار أموره بالعزيمة والإخلاص لا بالمصالح والمناصب.
ومن بين حديثه تتقاطع الأسماء والأحداث بين اللواء نورالدين المبارك و صديق فرح ومحمد مكي وعبد الجليل محمد عبد الجليل وقيادات الميرغني، لترسم لوحةً نابضة تحكي عن جيلٍ صنع مجد الهلال بالحب والجهد والصدق، دون ضجيج أو انتظار مقابل.
- في البداية نود أن نعود بك إلى البدايات الأولى.. كيف كانت انطلاقتك داخل نادي الهلال؟
الأخ العزيز الأستاذ إبراهيم عوض أحمد، أبعث لك التحية والتقدير، ولكل أسرة صحيفة آكشن سبورت الغرّاء، صوتها مسموع وصدقها معروف، كما أحيي الأصدقاء والمعارف والأهل جميعًا. أشكر لكم اختياركم لي ضيفًا عبر صفحاتكم المحترمة.
بدأت رحلتي مع نادي الهلال عام 1982، وكان السكرتير وقتها هو صديق فرح ، رجل فاضل من أبناء الجزيرة والمناقل، وصديق عزيز على قلبي. أما رئيس النادي فكان اللواء نور الدين المبارك، وكان مثالًا في الانضباط والقيادة.
تلك كانت بدايات جميلة وسعيدة بالنسبة لي، إذ تعرفت خلالها على عدد كبير من الإخوة في مجتمع الهلال، وكنت وقتها ما زلت في بداياتي المهنية في مجال التأمين.
اختارني الأستاذ صديق فرح عضوًا في اللجنة المساعدة لشؤون الكرة بالنادي، وبدأت منذ ذلك الوقت أتعامل مع الإدارة في قضايا متعددة تخص الهلال، والحمد لله كنا موفقين في عملنا. كانت مرحلة تأسيسية أعتز بها لأنها علمتني معنى الانتماء العملي للهلال، لا العاطفي فقط.
- حدثنا عن الرحلة الشهيرة إلى كسلا التي ارتبطت باسمك وباسم اللاعب مجدي مرجان، والتي كثيرًا ما يُشار إليها كصفقة تاريخية؟
هذه الرحلة كانت من أجمل وأهم المحطات في حياتي الإدارية. أذكر أن الأخ العزيز فوزي المرضي يرحمه الله، –وكان وقتها في بنك النيلين– اتصل بي وقال لي:
“يا جعلي في لاعب ممتاز جدًا في نادي الميرغني اسمه مجدي كسلا، وأهله يعرفونك وأنت من منطقتهم، لو وجدت طريقة تمشي وتشوف الموضوع بنفسك يكون خير.”
تحمست كثيرًا للفكرة، وقررت السفر إلى كسلا بسيارتي الخاصة، وكان معي الصديق العزيز الصحفي الراحل أحمد الحاج مكي من جريدة “قوون”. وصلنا كسلا، وكان أول من التقينا به هناك الصحفي المعروف عبدالجليل محمد عبدالجليل ، رجل طيب وبشوش وصديق الجميع، رحّب بنا وساعدنا كثيرًا في الترتيبات الأولية.
نزلنا في فندق هابي تاون، وهناك جاءنا الأستاذ أحمد عبدالجليل رئيس نادي الميرغني كسلا، وهو من أبناء منطقتنا وابن عم لنا، رجل خلوق وكريم. دعاني إلى حضور اجتماع النادي بعد صلاة العشاء قائلاً:
“تعال معاي الليلة النادي، تتونس مع الناس وتسلم عليهم، كلهم بيعرفوك.”
ذهبت معه إلى نادي الميرغني، وهو صرح رياضي كبير وتاريخي في كسلا، دائم الصدارة وذو جماهيرية واسعة. بعد جلسة ودية وتشاور، طرحنا موضوع اللاعب مجدي مرجان، وبعد نقاش قصير قالوا إنهم سيحولونه إلى الهلال، على أن يتم الاتفاق لاحقًا حول التفاصيل المالية واستحقاقات النادي.
بعد دقائق أحضروا اللاعب برفقة الأخ الفاتح بيرق، وجلسنا مع مجدي، وتحدثنا معه بكل صراحة. أبدى حماسًا كبيرًا، وقال:
“أنا هلالابي ومستعد أمشي الخرطوم الليلة وألعب للهلال دون تحفظ.”
اتفقنا معه على مبلغ محدد، وكان بسيطًا بمقاييس اليوم، لكنه وافق فورًا. لم يكن الدافع المال، بل الانتماء. في اليوم التالي، تواصلنا مع اتحاد كسلا المحلي لاستكمال الإجراءات، وبموجب خطاب رسمي من نادي الميرغني وافق الاتحاد على التحويل وأكمل كل المستندات.
استلمنا بطاقة اللاعب وعدنا بها إلى الخرطوم، وكان مجدي مرجان مثالًا في الانضباط. سكن معي في المنزل خلال الأيام الأولى حتى اكتمل تسجيله رسميًا، وكان متعاونًا إلى أقصى درجة.
أذكر أن اللاعب بعد فترة قصيرة رحل إلى حي اركويت "شرقي الخرطوم" ، حيث كانت تقيم خالته التي تزوج لاحقًا ابنتها، لكنه ظل مرتبطًا بالهلال وذكرياته معه.
- كيف تمت تفاصيل الصفقة ماليًا ومن الذي أشرف على تسليم المبلغ؟
بعد أن عدنا باللاعب إلى الخرطوم، أبلغت إدارة النادي بكل التفاصيل. وقتها كان الأستاذ الطيب عبدالله رئيس مجلس الإدارة، رجل معروف بدقته في العمل الإداري.
تم الاتفاق على تسليم مستحقات اللاعب وفق ما تم تحديده في كسلا، وحضرنا جميعًا عملية التسليم في مكتب الحاج محمد أحمد ملاح بالسوق العربي، وكان المكتب معروفًا جدًا في ذلك الوقت.
قام الحاج دياب إدريس المدير التنفيذي للنادي –رحمه الله– بتسليم شيكين نيابة عن النادي:
- شيك نقدي
- وشيك مؤجل لشهر لاحق
تم التوقيع بحضور الأستاذ الطيب عبدالله وعدد من أقطاب النادي، منهم كمال وهبة يرحمه الله الذي كان مدير الكرة وقتها، والصحفي احمد الحاج الذي رافقني في الرحلة. تمت العملية في جو من الفخر والرضا، لأن الصفقة كانت نظيفة ومشرّفة وتمت بجهد ذاتي خالص.
أحسب أن تلك التجربة كانت من أصدق وأجمل فصول حياتي في الهلال، لأنها جسّدت روح العمل الجماعي والحب الحقيقي للنادي.

0 التعليقات:
أضف تعليقك