الجمعة 21/نوفمبر/2025
هاشم صديق.. الكلمة التي لم ترحل

عام على غياب الشاعر الكبير.. سلامٌ على الحرف الباهي

هاشم صديق.. الكلمة التي لم ترحل

 

 

  من أزقة أم درمان خرج صوت الشعب.. و"ملحمة أكتوبر" نشيد الثورة الأبدي

  المسرح عنده وعيٌ ووجدانٌ ورسالة.. والصدق كان ديدنه

  "يا عازه الصبر غربال".. وجعُ الشعر وجماله

  بين الثورة والحب والمسرح.. كلمة باقية في ذاكرة الوطن

 

 

تمرّ هذه الأيام الذكرى الأولى لرحيل الشاعر الكبير هاشم صديق، الذي توفي في 9  نوفمبر 2024 في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.

هاشم صديق شاعر المواقف النبيلة والكلمة الصادقة، الرجل الذي وهب عمره للوطن والفن والناس الطيبين.
هاشم ما كان مجرد شاعر، كان ضمير وصوت الشعب في زمن السكوت، ولسان الوطن وقت الحصار، وغنى للثورة زي ما غنى للحب وللحياة.

هاشم صديق وُلِد في أم درمان وترعرع بين أزقتها العامرة بالناس البسطاء والمثقفين، وتفتحت موهبته من بدري جداً لما كان يكتب القصص القصيرة والمسرحيات في المدرسة.
لكن لما دخل عالم الشعر والغناء، بقى علامة فارقة في تاريخ الإبداع السوداني بصوته الشعري الجهور وبحروفه المبلولة بالصدق والوطنية.

هاشم شاعر الثورة والحرية، ومن الصعب أن نتكلم عن هاشم صديق وما نذكر (ملحمة أكتوبر)، القصيدة الخالدة البقت نشيد أمة، ولحّنها وغنّاها الهرم محمد الأمين، وكانت منارة لكل حراك وطني.
هاشم كتبها في عز لحظة الصدق، وكان بيحلم بوطن حر وشعب سعيد، وكتب يقول:

"أكتوبر واحد وعشرين
يا صحو الشعب الجبار
يا لهب الثورة العملاقة
يا ملهم غضب الأحرار"

الكلمات دي بقت رمز لكل وجع ودمعة وابتسامة في تاريخ السودان الحديث.

وما وقف عند أكتوبر، هاشم استمر يكتب للثوار وللشهداء وللمهمشين ولأولاد الحِلّة الغبش البقيفوا وقت الضيق.

هاشم صديق الشاعر الإنساني والعاطفي، ورغم شهرته كصوت للثورة، كان شاعر إنساني لأبعد الحدود، بيكتب عن العشق النبيل والحنين والمشاعر الصافية.
كلماته كانت بتغوص في دواخل الإنسان وتلامس وجدان المستمع بلغة بسيطة ومعبرة.

من أجمل نصوصه العاطفية قصيدة (يا عازه الصبر غربال)، وهي من درر الشعر السوداني الحديث، فيها شجن وفلسفة وصدق عاطفة نادر:

يا عازه الصبر غربال
مراجيح المديح والذم
شن جاب المديح للذم؟!
وشن دفن الفرح في الهم؟!
وكيف ضاعت سبيبْة (الكيف)
بأمر السيف في تبن (الكم)؟!!
وشن خلى العشم وهمين
كراع في الغيب وإيد في الدم؟

كلمات من عمق التجربة الإنسانية، بتوري إنو هاشم ما كان شاعر شعارات، كان شاعر حياة كاملة.
حبه للمرأة والوطن متداخلين، فـ "عازه" في شعره ممكن تكون الحبيبة وممكن تكون الوطن ذاته.

هاشم صديق كتب أعمالًا غنائية اتغنّت على ألسنة كبار الفنانين السودانيين، جمعت بين الوجدان الوطني والعاطفة الصافية.
من أشهر أعماله الغنائية:

  • ملحمة أكتوبر وكلام للحلوة – أداء الفنان محمد الأمين
  • الشوق والوطن يا جنا – أداء الفنان صلاح بن البادية
  • النهاية – أداء الفنان سيد خليفة
  • حاجة فيك – غناء المبدع الراحل مصطفى سيد أحمد

كما كتب العديد من الأعمال الأدبية الأخرى مثل (قطار الهم) و**(الحراز والمطر)** و**(الحاجز)**، والكثير من أعماله كانت تُغنّى في المسارح والاحتفالات، لأن شعره في الأصل مكتوب بصوتٍ غنائي حتى قبل التلحين.

هاشم صديق كان من مؤسسي المسرح السوداني الحديث، وكتب نصوصاً مسرحية قوية مثل نبته حبيبتي وخطوبة سهير والمهدي في ضواحي الخرطوم.
كان بيشوف إن المسرح وسيلة للتنوير والوعي، وما انفصل شعره عن رسالته الفكرية أبداً.
وكان دايماً بيقول:

"الكلمة لو ما حرّكت وجدان الناس ما عندها معنى."

رحيل هاشم صديق في نوفمبر 2024 كان وجعًا لكل السودانيين.
مش بس فقدنا شاعر، فقدنا ذاكرة وطن وصوت الناس الموجوعين.
لكن الجميل إنو ترك إرث ضخم من الأشعار والمسرح والأغاني الباقية في الذاكرة الجمعية.

هاشم بقى جزء من وجداننا.. من لهجتنا.. من ضحكتنا ودمعتنا.
رحل الجسد لكن الحروف باقية والعطر باقي.

بعد رحيل هاشم صديق دار جدل واسع في الوسط الثقافي والإعلامي حول مكانته بين شعراء السودان الكبار.
في ناس شافوا إنو ما نال التقدير المستحق في حياته، وإن الإعلام ظلمو لأنو كان صادق وصدامي في آرائه.
وفي آخرين قالوا إنو مكانته محفوظة في وجدان الشعب، لأنو ما في زول كتب للوطن بالصدق البكتبو بيهو هاشم.

الجدل دا في حد ذاتو تأكيد إنو الراجل كان حاضر بقوة حتى بعد رحيله، وإنو الإبداع الحقيقي ما بموت، بيعيش في ذاكرة الناس وأغانيهم وحديثهم.

هاشم صديق ما كان شاعر بكتب قصيدة وبس، كان مشروع وعي كامل.
رسم الوطن بالكلمة، وغنى له بالحرف، وخلى فينا أثر ما بيتنسى.

في ذكراه الأولى نقول:

سلام يا هاشم.. سلام على حرفك الباهي وعلى روحك الفياضة،
سلام على من كتب للوطن من دمعو،
وللناس من قلبو،
وللحب من نبضو.

 


0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار