الأحد 14/ديسمبر/2025
امرأة تهزم البيروقراطية… ومحافظ بلا بيت حكومة ولا زوجة
الرئيس السابق جعفر نميري يقلد العميد وقتها عمر علي حسن وساما

الراحل عمر علي حسن كتب هذا المقال في عهد مهدي مصطفى الهادي

امرأة تهزم البيروقراطية… ومحافظ بلا بيت حكومة ولا زوجة



سجم أمها حكومة السيد الرئيس العيَّنت المحافظ القصير ده

 

في زمنٍ كانت فيه الإدارة مسؤولية أخلاق قبل أن تكون منصبًا، وحين كان المسؤولون يهبطون إلى مواقع العمل بدلًا من البقاء خلف المكاتب، يروي اللواء معاش عمر علي حسن رئيس نادي الهلال الراحل، قصة من زمن الخرطوم الأجمل؛ قصة محافظ قصير القامة… طويل المروءة، ترك في الناس أثرًا لا يُنسى.
إنها حكاية إنسانية مضيئة بطلها مهدي مصطفى الهادي، محافظ الخرطوم في عهد الرئيس جعفر نميري، والمرأة البسيطة التي جاءت تطالب بحق منطقتها في الماء، فوجدت مسؤولًا يعرف قيمة الخدمة العامة، وامتداده الطبيعي من قيم الشعب لا من مقاعد الحكم.

قصة من الزمن الجميل..

كتب اللواء معاش عمر علي حسن مدير مكتب مهدي مصطفى الهادي، محافظ الخرطوم في عهد الرئيس جعفر نميري، وكان منصب المحافظ يعادل منصب الوالي حاليًا.

كتب : أن سيدة كبيرة في السن جاءت إلى المديرية في نحو الثانية والنصف بعد الظهر، ونحن نتأهب للخروج بسياراتنا في نهاية الدوام، وهي تصيح:
وينو المحافظ؟.. أنا لازم أقابله
فأقبل عليها، وكنت بجانبه، وقلت لها: هذا هو المحافظ.
فنظرت إليه من أعلى إلى أسفل وقالت:
ده ياهو المحافظ مهدي؟
فقال لها: نعم.
فقالت له:
سجم أمها حكومة السيد الرئيس القائد الما لقت تعين ليها محافظ غيرك؟ مالو ما عين الطويل الجنبك ده؟ (أنا)… ما كان بسدها ويفضل؟!
وكان مهدي قصير القامة، فقال لها:
لكن يا خالتي الحكاية ما بالطول… وزولك الطويل ده يكوس ليها كواسة، لكن الرئيس أبى يعينه… زي ده بودّوه نهر النيل والشمالية لو عايز

وضح أن أحد خطوط المياه الرئيسية بأم بدة قد انفجر منذ يومين، وقطع الماء عن المنطقة التي تسكن بها تلك المرأة، وظل الأهالي ينقلون الماء إلى بيوتهم بالصفائح. ولما كان اليوم خميسًا ولم يكتمل العمل في إصلاح الخط، فقد انصرف العمال وتركوا الحال على ما هو عليه، فركبت هذه المرأة تاكسيًا وجاءت تبحث عن المحافظ.

طلب منها مهدي الركوب في سيارته، وذهبنا معًا إلى قسم الطوارئ ببلدية أم درمان، ولم نجد غير المناوب، فوجهه المحافظ باستدعاء ضابط البلدية ليحضر فرقة عمل ويحضر معها بنفسه، ولا ينصرف أحد قبل أن تعود المياه للبيوت… ومن هناك ذهبنا للموقع.

وأقسمت المرأة ألا تنزل إلا إذا نزلنا معها وتغدّينا، وأحضرت لنا غداءً بسيطًا عبارة عن كسرة وملاح أم رقيقة وجرجير، فأكلناه ولم نترك شيئًا.
فنظرت المرأة إلينا بحنان وقالت:
سجمي… أظنكم ما فطرتوا؟
فقال لها مهدي:
والله أنا ما فطرت ولا اتعشيت امبارح… أمي زعلانة مني، نص لمبات البيت طافية، وهي كلمتني وأنا ما جبت اللمبات معاي
فسألته : ومرتك ما بتعرف تعشيك؟
قال لها: أنا ما عندي مرّة.
قالت: والأشغال ليه ما صلحت اللمبات؟
قال لها: أنا ساكن في بيت أبوي… ما في بيت حكومة.
فقالت له:
يندخّر لك يا يابا… محافظ وما عندك مرة وساكن في بيت أبوك؟!

خرجنا من عندها بعد أن شربنا الشاي، وقد وصل العمال وضابط البلدية… وأنزلني مهدي في المركز لأخذ سيارة تعيدني للخرطوم… وظننت أنه ذاهب لمنزله، لكنه عاد للموقع وبقي به حتى تم إصلاح الخط.

في صباح السبت، وعند بدء الدوام، حضرت المرأة وهي تحمل (تِرْمُس) شاي وصينية فطور فاخر: بيض، فول، كبدة، جبنة، ورغيف مغطى بفوطة وطبق،
وقالت لمهدي:
والله يا ولدي كان عندي بت… كنت عرستها ليك.


0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار