أبعدتني عن الكتابة أحزان عظيمة وشؤون أخرى، ولعل أعظم حزن ذاك الذي يسلبك القدرة على التعبير أو حتى البكاء، فتبدو ساكناً بينما تمور بالقلب الأحزان واللوعة إثر فقدك لعزيز.
عرفت الأخ الراحل المقيم عمار محمد آدم في العام 1990 عندما خلفته على رئاسة مركز الفجر للإنتاج الإعلامي التابع لمكتب الملحق الثقافي الإيراني، وكان وقتها الأخ المهذب المثقف أمير الموسوي.
ثم جمعت بيني وبين الراحل عمار صلة وصداقة، وكان واسطة عقد هذه الصداقة الأخ الراحل محمد طه محمد أحمد، زميل شقيقي الأستاذ عبد العظيم بمروي الثانوية ثم جامعة الخرطوم، وقد عملا بعد التخرج معاً بمدرسة دار النعيم الثانوية لصاحبها الأستاذ الرشيد عثمان.
وأعود لذكرى عمار، عليه رحمة الله ورضوانه، وقد هزّني نبأ وفاته وأنا في نزوح متلازمته (همّ وفوضى وفقر).
وقع عليّ نبأ رحيل عمار وقع الصاعقة، وأنكرت الخبر في بادئ الأمر واعتبرته سخافة وإشاعة ظل يمارسها وينشرها بعض المرضى.
ثم لما تيقنت من الأمر تذكرت كلمة أبي الطيب التي تقول:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ
فزعت فيه بآمالي إلى الكذبِ
غدرتَ يا موت كم أفنيتَ من عددٍ
بما أصبتَ وكم أسكنتَ من لجبِ
وحقاً فقد مثل موت عمار موت أعدادٍ وأفذاذ.
كأن الراحل قوياً صعب المراس عند مواقف الحق والشدة، كما كان هيّناً تستخفه بسمة الطفل في مواضع اللين واللطف والعطف.
كأن رحمه الله يصدع بما يراه الحق ولو سُلِّطت على صدره البنادق، لا يخشى في الحق لومة لائم أو مذمة ناقد لاح أو ناصح.
زارني في مركز الفجر ذات مرة وجلس شاحباً مهموماً.
سألته: ما بك يا عمير؟
فأجابني بنبرة جادة قائلاً: كان من بين عناوين المكتبة خمسة كتب تُعلّم الناس السحر، وقد جمعتها في مكان ما في المخزن ونسيتها تماماً وتذكرتها الآن، وجئت الآن لأسألك بالله عنها: هل عثرت عليها؟
أجبته: نعم، عثرت عليها عند ترحيل المركز من موقعه في غرب الخرطوم إلى مباني الملحقية الثقافية الإيرانية بشارع المك نمر.
ثم سألني: أين هي الآن؟
قلت له: تمت إبادتها تماماً.
تنفّس الرجل الصعداء ودعا لي بالخير ثم انصرف.
والحق أنني لم أكن قد أبدتها، بل كنت منهمكاً في قراءتها، وقد استعنت ببعض معلوماتها في بعض مقالاتي عند الرد على الأستاذ خالد عزالدين عندما قلت إن فريق مازيمبي استخدم السحر في مباراته ضد الهلال التي لعبت في استاد الهلال.
وحينها سخر مني الأستاذ خالد وقال إن عبد المنعم أفقدته الهزيمة توازنه فأخذ يؤمن بالدجل والشعوذة.
رحم الله عمار محمد آدم، الرجل الصادق الصدوق، المؤمن الخلوق، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.
0 التعليقات:
أضف تعليقك