بوح الحبر
د. الحبر عبد الوهاب
لم يكد مقالي (آآي يا زول...) يُنشر في "آكشن سبورت" حتى تباينت ردود الإخوة القُرّاء المستنيرين بين مؤيد ومعارض، وآخرين "عرضُوا بره الدارة"!
ومعلوم بالضرورة أن الآراء العلمية تحتمل الصواب والخطأ، بل إن النظريات العلمية نفسها قد تخضع للدحض والتغيير.
وقد ذهب إخوة كرام إلى أن لفظة "أي" لم تُؤخذ من الإنجليزية كما زعمتُ، وحجّتهم أن العربية عموما واللهجة السودانية خاصة غنية ولا تحتاج إلى غيرها من اللغات حتى تتأثر بها، ولهؤلاء أكتب اليوم.
أقول أولا إن اللغة الأم تندرج تحتها عدة لهجات، مثل العربية التي تضمُّ اللهجات السودانية والمصرية والمغربية وغيرها، فهذه لهجات وليست لغات، وإن اللغة ـ كما علّمنا أساتذتنا ـ هي كائن اجتماعي يخضع للتطور والتأثير والتأثُّر، وهذا يُعلم بالضرورة، خاصة لدارسي اللغات، والمتحدثين بلغتين Bilingual speakers
إذا عُلم ذلك يُعلم أن تأثُّر لغة ما، وبالضرورة لهجة ما، بغيرها من اللغات الأجنبية لا يقدح فيها، بل هو دليل على حيويتها ومرونتها ومقدرتها على استيعاب الجديد واتساع مواعينها!
لذلك أرى أن تأثير اللغات الأجنبية على اللغة العربية عموما، وعلى اللهجة السودانية خصوصا، أمر واقع وهو محمود، وقد أثبته دارسو علم اللغة، وردّوا ذلك إلى أسباب عدة، منها سطوة المستعمر وقوة تأثير لغته، والتعليم، ووسائل الاتصال الحديثة. ولمّا كان السودان قد خضع للدولة العثمانية مذ عام 1821م فقد دخلت مفردات تركية كثيرة إلى اللهجة السودانية، منها: (شنطة، طابور، درابزين، كوبري، كرباج، سفرجي، سلخانة، أجزخانة...إلخ). ثم لمّا استعمر الإنجليز السودان أثرّت لغتهم في اللهجة السودانية كما قلت في المقال السابق، وأدخلت فيها مفردات إنجليزية كثيرة، مثل: (بنك، كورس، تاكسي، كِريم، أي)، و"أي" هذه غير "إي" الواردة في القرآن الكريم في سورة يونس، المكسورة الهمزة.
بل حتى اللغة الفرنسية التي لم يستعمر أصحابها السودان تسللت بعض مفرداتها إلى لهجتنا، مثل: (أسانسير، بوفيه...). وفيم العجب من ذلك إذا كان القرآن الكريم نفسه، وهو الذي حفظ الله تعالى به اللغة العربية، قد استخدم كلمات غير عربية، مثل (سندس وإستبرق)، وهما فارسيتان؟
وقد تعدّى التأثير استخدام المفردات إلى استخدام التراكيب الكاملة، فمثلا التركيب "على الرغم من مرضه، حضر عليٌّ مبكرا"، ليس تركيبا عربيا أصيلا حسب قواعد النحو، لأن فيه إحالة الضمير (الهاء) في (مرضه) إلى اسم متأخر في الجملة وهو (علي)، وهو تركيب أصيل في اللغة الإنجليزية، ومأخوذ منها، وهو:
Despite his illness, Ali arrived early.
يُشار هنا إلى أن اللغة العربية أثرّت في غيرها من اللغات كذلك، حتى إن اللغة الفارسية تكاد تكون عربية! ودخلت كلمات عربية كثيرة إلى اللغة الإنجليزية نفسها مثل: sugar. Alcohol. Jar. Lemon. Rice ، وهي بالترتيب: (سكر، كحول، جرة، ليمون، رز). كما أن اللهجة السودانية نفسها ـ دون شك ـ إذا شاعت ثقافتنا ستُؤثر في غيرها، وهنا يحضرني خبرٌ عن عاصفة ترابية ضربت السودان قبل سنوات، وورد ذكرها في نشرة إخبارية في إحدى القنوات الأمريكية، حيث استخدمت المذيعة لفظة "هبوب" بدلا من storm or wind وانفجرت ضاحكة حتى كادت "تنشرط" عند نطقها hapoop ، الكلمة السودانية القحة، لأن المقطع الثاني من الكلمة ( poop ) لا يُحبذ ذكره في نشرات الأخبار!
0 التعليقات:
أضف تعليقك