الهلال… هذا الكيان الأزرق العريق، أكبر من أن يُختزل في جيب رجل واحد، وأعظم من أن يُدار بعقلية “المموِّل والمتلقِّي”.
ورغم التاريخ الطويل والمجد المتراكم، ما زال الهلال أسيرًا لسيطرة الأفراد الذين يتحمَّلون الصرف عليه وكأنهم يمتلكونه وراثةً لا إدارة!
من البرير إلى صلاح إدريس، ومن الكاردينال إلى السوباط والعليقي... تتغيَّر الأسماء، لكن المشهد واحد: رجل واحد يدفع، وجماهير بالملايين تكتفي بالتصفيق، وأقطاب على الهامش يتفرَّجون بصمت، وكأن الهلال ليس ناديهم، بل شركة خاصة مسجَّلة باسم أحدهم في السجل التجاري!
اليوم يصرف الهلال أموالًا خرافية منذ اندلاع الحرب — تنقُّلات بين بلد وآخر، معسكرات، فنادق، طيران، وطائرات خاصة — كل ذلك من جيب الفرد “المتبرع”، لا من خزينة النادي. وفي المقابل، ما يتحصَّل عليه الهلال من مشاركاته الإفريقية لا يساوي شيئًا أمام ما يُنفَق عليه!
الهلال يعيش مفارقة مؤلمة:
نادي الجماهير العريضة يعتمد على جيب شخص واحد!
أين الأقطاب؟
أين رجال المال من أبناء الهلال في الداخل والخارج؟
لماذا تركوا الهلال أسيرًا لجيوب محدودة تتحكَّم في قراره؟
البعض يبرِّر غيابهم بعدم وجود بيئة مؤسسية شفافة، وآخرون يقولون إن الهلال صار حكرًا على فئة محددة لا تسمح بالمشاركة. لكن الحقيقة أن الهلال بلا نظام مالي واضح، ولا إدارة استثمارية محترفة، ولا رؤية اقتصادية تؤمِّن مستقبله.
وجماهير الهلال — التي ملأت المدرجات وهتفت باسم الكيان — عليها أن تدرك أن “الدعم المعنوي” لا يكفي.
فالهلال اليوم بحاجة إلى دعم مالي حقيقي، إلى مبادرات جماهيرية تساهم في بقائه واقفًا، لا أن تنتظر في كل مرة ظهور منقذ جديد يحمل على عاتقه ديون النادي ثم يرحل، تاركًا وراءه أرضًا محروقة ومشاريع مؤجَّلة!
الهلال لا يمكن أن ينهض إلا إذا خرج من نظام “العطايا والمكرمات” إلى نظام الشركات والاستثمار.
لقد سمعنا كثيرًا عن مشروع تحويل الهلال إلى شركة مساهمة عامة يشارك فيها الجمهور والأقطاب ورجال الأعمال، لكن المشروع ظلَّ في الأدراج مثل كثير من الوعود التي تبخَّرت مع أول موسم انتخابي.
إلى متى سيظل الهلال ينتظر “المموِّل المخلص” و”الرئيس المنقذ”؟
متى نرى الهلال مؤسسة اقتصادية قائمة على مواردها واستثماراتها؟
ومتى يتحول جمهور الهلال من مجرد مشجعين إلى مساهمين فعليين في صناعة القرار ودعم الكيان؟
الهلال ليس كاردينال ولا برير ولا سوباط...
الهلال كيان خالد، لا يموت برحيل الأفراد، ولا يعيش بتبرعاتهم فقط.
إنه بحاجة إلى ثورة فكرية تعيده من جيوب الرجال إلى قلوب الجماهير، ومن حكم الفرد إلى حكم المؤسسة.
اليوم يقف الهلال أمام مفترق طرق:
إمَّا أن يواصل السير في طريق الاعتماد على الأفراد، فيبقى رهين المزاج والولاء،
وإمَّا أن يخطو بثبات نحو المستقبل، ويصبح كيانًا مستقلًا بموارده وإدارته ورؤيته.
الهلال يحتاج إلى قرار شجاع…
قرار يقطع “الحبل السري” الذي ربطه طويلًا بالممولين، ويفتح له طريق الاعتماد على نفسه.
وإلا فسيظل الهلال يدور في الدائرة ذاتها:
يدفع رجل… ويمجِّد جمهور… ثم يرحل الرجل، ويبدأ البحث عن “المنقذ الجديد”!
ولا أحد ينكر أن الإدارة الحالية بقيادة السوباط والعليقي قد صرفت أموالًا طائلة على نادي الهلال، سواء في تسجيل أفضل اللاعبين أو في تكاليف السفر والمعسكرات والفنادق، مما ساهم في توفير بيئة احترافية نادرة في السودان.
لكن السؤال الجوهري يظل مطروحًا: إلى متى سيستمر هذا الصرف المرهق المعتمد على جيوب الأفراد؟ وماذا لو رفع السوباط والعليقي أيديهما عن دعم النادي؟
حينها سيجد الهلال نفسه في نفق مظلم، تمامًا كما حدث لغريمه المريخ بعد رحيل جمال الوالي، عندما تهاوت أركان النادي ودخل في دوامة من الأزمات المالية والإدارية.
دعوة من القلب قبل أن يفوت الأوان
الهلال بحاجة إلى خطوة جريئة تُعيد له توازنه واستقلاله المالي.
لا يكفي أن ننتقد ونشتكي من “هيمنة الأفراد”، بل يجب أن نطرح بديلًا عمليًا واضحًا.
وأبسط البدائل وأكثرها واقعية هو إنشاء صندوق دعم جماهيري للهلال، بإشراف لجنة مستقلة تضم رموزًا معروفة بالنزاهة والخبرة، تُدار أمواله بشفافية تامة، وتُخصَّص لدعم المعسكرات والسفر والبنية التحتية للنادي.
إلى جانب ذلك، يجب إعادة إحياء مشروع تحويل الهلال إلى شركة مساهمة عامة، يُفتح فيها باب الاكتتاب لجماهير النادي ورجال الأعمال داخل السودان وخارجه؛
مشروع يجعل كل مشجع شريكًا، وكل سهم انتماءً، وكل ريال في خدمة الكيان لا الأشخاص.
الهلال يملك جماهير بالملايين، ولو ساهم كل واحد منهم بمبلغ بسيط لتمكَّن النادي من بناء ملعبه الخاص، وتمويل مشاركاته الإفريقية دون الحاجة إلى “منقذ جديد”.
الزمن تغيَّر، والكرة أصبحت صناعة واقتصادًا واستثمارًا، لا يمكن أن تستمر بعقلية “المكرمات”.
فإمَّا أن يتطوَّر الهلال ويدخل عصر الاحتراف المالي،
أو سيبقى يدور في الدائرة القديمة:
رئيس يدفع... وجمهور يصفق... ونادٍ بلا مؤسسية.
0 التعليقات:
أضف تعليقك