الجمعة 21/نوفمبر/2025

لسنا وإن كرُمت أوائلُنا يومًا على الأنساب نتّكلُ!!

لسنا وإن كرُمت أوائلُنا يومًا على الأنساب نتّكلُ!!

 

 

نحن في زمنٍ اشتدّ فيه لمعان الواجهات، وتزينت فيه الصفحات بأقوال الأجداد وأفعال الآباء.
برزت على منصّات التواصل فئات من الناس جعلوا مفاخر آبائهم رايةً يلوّحون بها، دون أن يضيفوا إليها لبنة، أو يزيدوا عليها أثرًا.
ولا يُلام المرء على الفخر بنسبه، فذلك أمرٌ فطريٌّ في الإنسان أن يعتزّ بجذوره ويستبشر بتاريخ أهله، ولكنّ الخلل كلّ الخلل أن يكون هذا الفخر ستارًا يُخفى وراءه التقاعس، أو غطاءً لعجزٍ عن البناء والتأسيس.

فالأنساب لا ترفع هِمّةً، إن لم تكن مصحوبةً بعملٍ يصدق القول، وسيرةٍ تُوازي أو تُسبق ما كان من مجد.
وصدق الشاعر حين قال:

إن الفتى من قال ها أنا ذا
ليس الفتى من يقول كان أبي

إن الفتوة في الفعل، والمكانة في المبادرة، والمجد لمن يصنع لا لمن يردّد.
والجميل أن كبارنا أرباب الحِكَم أدركوا ذلك، فلم يركنوا إلى ماضٍ مجيدٍ دون أن يصنعوا حاضرًا كريمًا، بل كانوا يرون أن من الوفاء للسلف أن يُشاد البُنيان على ما أسسوه، وأن يُزاد عليه لا أن يُكتفى به.

لسنا وإن كرُمت أوائلُنا
يومًا على الأنساب نتّكلُ
نبني كما كانت أوائلُنا
تبني ونفعل مثلما فعلوا

هذا توصيفٌ دقيقٌ لحالة فقدان المعنى وسط زحام الأنا المجتمعية والمظاهر الرقمية
حين يتحوّل جوهر الفعل إلى مجرد صورةٍ للفعل، يصبح كل شيءٍ مظهريًا لا جوهريًا.

حتى الكرم والعطاء والرحمة والبساطة… كلها كانت أفعالًا تنبع من القلب، تُمارس في الخفاء، وتزهر في الداخل أكثر مما تظهر في العلن.

لكن اليوم، أصبح الأصل في الأفعال أن تُوثَّق قبل أن تُمارَس،
وأن تُرى قبل أن تُشعَر، وكأن الفعل بلا دعايةٍ وشوفونيةٍ لا قيمة له!!

يبقى السؤال الأعمق:
هل الفعل الذي يحتاج شهودًا ليكتمل هو فعلٌ صادق؟
وهل قيمة الإنسان اليوم تُقاس بصدق أفعاله أم بعدد الذين جمعهم من حوله لأشياء في نفسه؟

ربما أخطر خسارة نعيشها ليست خسارة القيم نفسها، بل خسارة إحساسنا العفوي بها.
إي والله، في زمنٍ امتلأ بالضجيج الكاذب أصبحت القيم تائهةً في الزوايا، والصدق حلمًا نادرًا.
تختلط فيه النوايا الطيبة بالأقنعة التي تُعرَض للآخرين.
أصبح الخير مقيَّدًا بما يُرى لا بما يُحَسّ، وبين هذا وذاك تحوّل الجوهر إلى سراب، والوجوه إلى سلعٍ تُعرَض في سوق الظهور!

 

0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار