طق خاااص
خالد ماسا
أثلج صدري ورفع هامتي وأكد لي الشعور بالانتماء لنادي "الحركة الوطنية" التفاعلُ الرسمي للهلال شعبًا وإدارةً مع مدينة الصمود وأرض المحمل فاشر أبوزكريا، ليكون هلال "الأمة" حاضرًا كعادته متى ما أُذِّن للآذان أن "حيَّ على الفلاح" لصلاة الواجب الوطني، فتجده بكامل مكوّناته ضمن "هيئة أركان" المعركة الوطنية، منحازًا للموقف الوطني، ومتسقًا مع شعاره المرفوع منذ التكوين: "الله .. الوطن .. الهلال"، وهذا الشعار هو المقرَّر الذي يُدرَّس في مدرسة نادي الحركة الوطنية، حفظه شعب الهلال جيلًا بعد جيل، وظل وسمًا خاصًا تردد صداه في المدرجات.
الموقف الهلالي المتضامن مع مدينة الفاشر، التي كسرت الرقم القياسي لصمود المدن في وجه الحصار والمسجَّل في كتب التاريخ، يؤكد أنه لا شيء يزحزح أقدامنا عن الموقف الوطني الذي سجله المؤسسون وخريجو كلية غردون بروح حركات المقاومة في 1924، واللواء الأبيض، ومؤتمر الخريجين. وحيثما كان في السودان حراكٌ للوعي، كان الهلال حاضرًا بكامل عتاده الجماهيري وثقله في المجتمع السوداني، ليختار أن يكون الواحد الصحيح في التعبير عن إرادة وقوة الشعب السوداني.
الموقف الذي صدر من كل مكونات المجتمع الهلالي ضد الانتهاكات التي ارتكبها "تتار هذا القرن" في فاشر الصمود، وفي كل المدن التي شهدت على الغل والكراهية، يمثل الدور الحقيقي لمكونات المجتمع المدني الممثلة في الأندية الرياضية، ويؤكد أنها كمكوناتٍ ذات ثقل جماهيري لا تنفصل عن المجتمع، ولا تغرّد في سربٍ غير سرب الموقف الوطني.
موقف هلال "الأمة" ليس موقفًا سياسيًا يصلح للمزايدة عليه، وإنما هو موقف وطني منحاز لقيمة الإنسان وتراب هذا الوطن، وفيه تأكيد على أن الوسط الرياضي يتداعى بالسهر والحمّى في مصاب الوطن.
للأمة الهلالية موقفٌ أصيل من قضايا الوطن، وما قام به المؤسسون من أدوارٍ في مقاومة الاستعمار يُكمله الآن الموقف الوطني المحترم فيما حدث لضحايا الفاشر على يد المليشيا، وهو موقفٌ انحازت له كل المكونات المحترمة في العالم، بل وكانت رسالة الرياضيين هي الأقوى في العالم.
صوت الهلال في قضايا الوطن المصيرية ظل على الدوام هو "المانشيت" في صحيفة الموقف الوطني، والتاريخ يسجل بالخطوط الزرقاء أن الهلال، وفي عز الهجير الوطني ولظى التكالب العالمي على دارفور، أعلن في العام 2009م أن معسكره الإعدادي سيكون في نيالا، حاضرة جنوب دارفور، والقصد من ذلك وقتها أن الهلال هو هلال الأمة السودانية. وكانت زيارة الهلال التاريخية لمعسكرات النزوح "ملحمة" وطنية وضعها التاريخ إلى جانب بطولات من قاتلوا في معركة "برنجية".
دخلت بعثة الهلال دارفور عبر بوابة المحبة والانتماء، عندما كانت لغة السلاح هي الحاكمة، وقال الموقف الرياضي الوطني كلمته، وتقاسمت البعثة الهلالية "الملح والملاح" مع أهل المعسكرات الذين قابلوهم بالكرم، و"الميارم" قدّمن الكرم طازجًا في "المندولة"، في مظهرٍ أكّد على اللحمة الوطنية ودور هلال الأمة في القضايا الوطنية.
موقف أهل الهلال المشرّف مما حدث في الفاشر هو بمثابة التوقيع في دفتر الحضور الوطني، الذي لم يغب للهلال توقيعٌ فيه على امتداد تاريخ الملاحم الوطنية التي ظل يخوضها الشعب السوداني بكل صبرٍ وثباتٍ وجلد. وستعود الفاشر زهرة مدائن السودان، وأرض "المحمل" وكسوة الكعبة المشرفة، طاهرٌ ترابها الذي روته دماء الشهداء.
الرسالة التي وضعها موقف هلال الأمة من "هولوكوست هذا الزمان" تقول إن الدم السوداني كله حرام، وإن رياضة كرة القدم لم تكن لتشغل أهلها عن ما يجمع ويشكّل الوجدان الوطني، وأنها السبيل الذي يجمع أهل السودان حيث لا تفرّقهم عصبية القبيلة. وإن الجرح الذي مسَّ أهلنا في الفاشر هو جرح كل أهل السودان، وأن لسان الرياضيين سيحدث كل شعوب العالم عن ثبات وصمود أهل الفاشر، وأن ضحايا الحرب والحصار لم تضع أرواحهم سُدى، بل استدعوا كل بطولات التاريخ التي تحكي العظمة كلها في دارفور الصمود.
موقف هلال الأمة هو رسالةٌ لمنظمات الشجب والإدانة وقرارات الموازنات السياسية، بأن ما حدث كان سببًا في زيادة مشاعر الوحدة الوطنية الرافضة لاستسهال الانتهاكات ضد العُزّل والنساء والأطفال، وضد كل أشكال التطهير العرقي وجرائم الحرب، وأن الهلال كنادٍ وطنيٍّ وفصيلٍ ملتزمٍ باتجاه القضايا الوطنية لن يغيب عن هذه اللحظات التاريخية، ليسجّل اسمه كما فعل جيل الاستقلال وجيل الخريجين وحركة اللواء الأبيض.
هو هلال عاصمتنا الوطنية، بقعة المهدي، حيث العرضة وعظمة جيش المهدي.
وقفة هلال الأمة هي الصوت العالي في أذن العالم ليسمع صوت الضحايا، وخطاب الدبلوماسية الرياضية المقروء في المنصات الجماهيرية لشعوب العالم، لأن الرياضة بالأساس هي "الضمير" المشترك بين شعوب العالم الداعية للسلام واحترام كل الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقبل ذلك هي التزامٌ أخلاقي بالميثاق الأولمبي وواجب الإنسانية النابض.
الرسالة التي خطّها الهلال بخصوص ما حدث في الفاشر هي رسالة الوفاء والشاهد على قبور شهدائنا: أسد المدرجات الزرقاء محمد علي بلول، والبطل أحمد الجاك، وزينة شباب الهلال متوكل أبو ساري.
نقول لهم: إن ناديكم لا يزال قلعةً للنضال الوطني، وإن دين دمائكم لا يزال على أكتافنا ورقابنا، وسنظل متمسكين بدرب مؤسسي نادي الحركة الوطنية، وبدربكم، وبالشعار الذي لطالما زلزل المدرجات:
"الله .. الوطن .. الهلال".
0 التعليقات:
أضف تعليقك