الجمعة 21/نوفمبر/2025

دهاء التجربة أم انحراف الضمير!!

دهاء التجربة أم انحراف الضمير!!

 

سألني العديد من الناس، وبعضهم في القروبات التي تعنينا، عن رأيي في إخفاء اسم كاتب المقال… أي مقال، رغم روعة صياغته.

وجهة نظري المتواضعة في ذلك أن الكتابة العلنية تُفقدك سلاحك الأهم: الغموض.
بمعنى أنني لا أكتب لأخلّد اسمي، بل لأُربك المسميات. وحين يعرفون من أنا، يتوقف تأثير ما أقول.

إذ نجد في كل مهنة، مهما بلغت نزاهتها ورقيّها، طبقة خفية من المعرفة لا تُكتسب بالعلم وحده، بل بالموهبة والاحتكاك والتجربة. هذه الطبقة تُعرف مجازاً بـ "الخبث المهني"، وهو ليس بالضرورة سلوكاً سلبياً، بل قد يكون دهاءً مشروعاً يوظفه الكاتب—أيًّا كان—لحماية نفسه أو لإنجاز المراد توصيله بحرفية.

فالطبيب قد يُخفي بعض التفاصيل عن مريضه حرصاً على نفسيته، والمحامي يختار توقيت الكشف عن وثيقة حاسمة، والمعلم يُجيد ضبط طلابه دون صراخ، والإعلامي يصوغ الكلمة لتُحدث التأثير المطلوب دون خرق ظاهر للحقيقة.
كل ذلك يُسمّى أحياناً "خبثاً مهنياً"، لكنه في جوهره قدرة على التصرف بذكاء داخل حدود المهنة.

المعضلة تكمن حين ينقلب هذا الخبث إلى تجاوز للضمير، أو تلاعب بالثقة، أو ظلم للناس باسم الاحتراف.
هنا يصبح الخبث انحرافاً لا مهنية.

فالخبث المهني إذن سلاح ذو حدين؛
إن حُكِم بالعقل والأمانة أصبح دهاءً محموداً،
وإن طُوِّع للطمع والأنانية أصبح خيانة مقنّعة.

 

0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار