الجمعة 21/نوفمبر/2025

تَصوَّر كيف يكون الحال لو ما كنتَ سوداني

تَصوَّر كيف يكون الحال لو ما كنتَ سوداني

 



في لحظات المحن تبرز القيم الإنسانية الأصيلة، وتتلألأ روح التضامن بين أبناء الوطن الواحد. وهذا ما تجسّد بأبهى صوره في الولاية الشمالية بالسودان، التي فتحت ذراعيها وقلوبها لإخوتها النازحين من الفاشر، لترسم لوحة إنسانية نادرة تُثبت أن روابط الإنسانية أقوى من كل الظروف.

لقد تحوّلت قرى ومدن الولاية الشمالية إلى خلية نحل من العمل التطوعي؛ حيث تسابق الأهالي لتقديم ما يستطيعون لإغاثة إخوانهم الوافدين. لم يكن الكرم مجرد كلمات وعبارات ترحيب، بل تجسّد في أفعال ملموسة: توفير المأوى، وتقديم الطعام والشراب، وتأمين الرعاية الصحية، بل وتمديد شبكات الدعم الاجتماعي والنفسي لمن فقدوا بيوتهم وأمنهم.

لم يكن ما حدث في الولاية الشمالية مجرد استجابة طارئة لأزمة إنسانية، بل كان تعبيراً عن عمق القيم السودانية الأصيلة؛ تلك القيم التي تربّت عليها أجيال عرفت أن الإنسان أخٌ للإنسان، وأن البلاد لا تتسع للجميع فحسب، بل تحتضنهم كأهل بيت واحد. لقد قدّم أهل الشمالية درساً في كيفية تحويل الأزمات إلى فرص للتعاضد والتلاحم.

وكما قال الشاعر إسماعيل حسن:

بلادي أنا
بلاد ناساً في أول شى
مواريثهم كتاب الله
وخيلٌ مشدود
وسيفٌ مسنون حداه درع
وتقاقيبهم تسرج الليل مع الحيران
وشيخاً في الخلاوي ورِع
وكم نخلات تهبهب فوق جروف الساب
وبقرة حلوب تتضرّع وليها ضرع
وساقية تصحّي الليل مع الفجراوي
يبكي الليل ويدلّق في جداولو دمع
يخدّر في بلادي سلام

تخيّلوا معي كيف يكون الحال لو لم يكن هؤلاء السودانيون على هذه الدرجة من النبل؟ تخيّلوا لو أن كل منطقة انكفأت على نفسها ورفضت مشاركة الآخرين في محنتهم؟ إنها جنة حقيقية تلك التي يعيشها من ينتمي إلى هذا الشعب الأصيل؛ جنة الأخوّة الإنسانية التي تعلو فوق كل اعتبار.

بلادي أمان، بلادي حنان
وناسها حنان، يكفكفوا دمعة المفجوع
يبدوا الغير على ذاتهم
يقسموا اللقمة بيناتهم
ويدوا الزاد حتى إن كان مصيرهم جوع
يحبوا الدار
يموتوا عشان حقوق الجار
ويخوضوا النار عشان فدَّ دمعة
وكيف الحال كان شافوها
سايلة دموع؟
ديـل أهلي

إن ما قام به أهالي الولاية الشمالية تجاه إخوانهم النازحين من الفاشر يمثل نموذجاً يحتذى به في زمن كثرت فيه النزاعات وقلّت فيه القيم الإنسانية. إنه يذكّرنا بأن الخير لا يزال كامناً في نفوس أبناء هذا الوطن، وأن القيم السامية التي تربّى عليها السودانيون قادرة على تجاوز كل الظروف الصعبة.

بلادي أنا بتشيل الناس وكل الناس
وساعٍ بخيرها لينا يسع
وتدفق مياه النيل على الوديان
بياض الفضة في وهج الهجير بتشع
بلادي سهول، بلادي حقول
بلادي الجنة للّشافوها أو للبرة بيها سمع
بلادي أنا بلاد ناساً تكرم الضيف
وحتى الطير يجيها جيعان
ومن أطراف تقيها شبع

فالتحية لأهل السودان عامة، ولأهل الولاية الشمالية خاصة، الذين جسّدوا بأفعالهم معنى القيم الإنسانية الراسخة، وبرهنوا أن روح العطاء لا تزال هي السمة الغالبة على هذا الشعب الأصيل.
فليحفظ الله بلدنا من كل سوء، وليحفظ في أبنائه تلك القيم النبيلة التي تجعل من السودان جنة الأخوّة والإنسانية.

 

 

0 التعليقات:

أضف تعليقك

آخر الأخبار