بين الناس
أكرم الحلاوي
العلاقات بين الناس، سواء في نطاق الأسرة أو مع الأصدقاء أو بين الجيران والمعارف، تقوم على المودة والتعاون والثقة، غير أن هذه الروابط قد تهتز إذا دخل المال في تفاصيلها، خاصة حين يتحول إلى دَين. فما يبدأ بنية صافية قد ينتهي بخلاف أو قطيعة، ليس لأن المال يفسد المودة بذاته، بل لأنه يكشف مدى الالتزام بالعهود والوفاء بالحقوق.
المشهد المألوف: كثير ما تبدأ القصة بإنسان يمر بضائقة مالية، فيسارع آخر إلى نجدته بدَين يخفف أزمته، في البداية تسود مشاعر الشكر والامتنان، لكن حين يحين وقت السداد تظهر الخلافات، فقد يتأخر المدين أو يتنصل، بينما يشعر الدائن بأن حقه يُهدر، ومع مرور الوقت تتحول العلاقة إلى توتر وربما خصومة.
من ناحية دينية: جاء التوجيه القرآني واضحاً في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ فالكتابة ليست ضعفاً في الثقة، بل ضمان للحقوق وصون للمودة.
أما من ناحية قانونية: فإن الحق لا يُثبت إلا بدليل معتبر أو بإقرار الخصم، ولذلك فإن المستمسكات تُعد الوسيلة الأوثق لحماية الحقوق وضمان الوفاء بالالتزامات، بينما تبقى الوعود الشفوية محدودة الأثر وضعيفة الحجية، وقد لا يُعتد بها عند النزاع.
نصيحة:
على المدين أن يتذكر أن الدَين أمانة في ذمته، وأن الوفاء به عبادة وخلق كريم قبل أن يكون التزام قانوني، وفي المقابل على الدائن أن يراعي حال المدين إذا ألمّت به شدة، فيُمهله برفق، فإن قدر على العفو كان ذلك أبلغ في الإحسان، إذ يُسقط الدين ابتغاء وجه الله، امتثالاً لقوله ﷺ: "من يسَّر على مُعسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة." وهكذا يظل التيسير والعفو سبيل لحفظ المودة، كما أن من الحكمة ألا يُقرض المرء إلا ما يستطيع الاستغناء عنه دون مشقة أو ندم.
ختاماً:
يبقى الدَين في المجتمع امتحاناً حقيقياً للروابط الإنسانية؛ فإن وُثق بضوابط الشرع وأحكام النظام ظل جسر للتعاون وضمان للحقوق، وإن تُرك للظنون قد يتحول إلى خصومة، فالمال في حقيقته ليس خصماً على العلاقات، بل مرآة تكشف حقيقتها.
0 التعليقات:
أضف تعليقك