أحمد حسن حيمورة
للشاعر الراحل محمود درويش غرام يصل حد الهوس بالقهوة، وله فيها كتابات وطقوس تبدأ من طريقة إعدادها ونوعية أوانيها، وتنتهي بكيفية صبها والبدء في ارتشافها. لكنه يؤكد أن هذا الطقس الأخير لا تكتمل متعته إلا بتصفح جريدة الصباح واستنشاق حبرها مقرونًا برائحة البن المحوّج.
من المؤكد أن الشاعر لا يتحدث عن تصفح صحيفة إلكترونية، فهو، ومن بعده نحن، نعد أنفسنا من جيل التحسس والتذوق واستنشاق العبق. في عصر الإنترنت والمواقع الإلكترونية والصحف المبذولة على شاشات الجوالات، تنتابني أحيانًا حالة نوستالجية تعود بي سنوات إلى الوراء، حين كانت الدنيا بخير، والأخبار لا تعكر يومك ولا تغض مضجعك، وحين كان الناس يتزاحمون لشراء الصحف أمام ما يسمى باكشاك الجرائد، ويحملونها معهم إلى البيوت والمكاتب ليصنعوا طقسهم الخاص للقراءة.
يتابعون أخبار الوطن والدنيا، وتلفت أنظارهم المانشيتات العريضة التي يخطها فنانون حقيقيون، وتشكل متعة بصرية جاذبة للقراء. أما بقية الجريدة من مقالات وتحليلات، فيتم التهامها لاحقًا بتأنٍ مع طعم وأبخرة القهوة المعتقة.
ما ميز الصحيفة الورقية هو عمرها القصير؛ قد تُرمى أو تُستخدم لغرض آخر أو يُعاد تدويرها، لكنها تنتقل لأيدي كثيرة بعد فراغ الشاري الأول، فتشبع نهم القراءة لدى الأبناء والطلاب ومن لا يملكون ثمنها.
ثم جاء عصر الإنترنت والتحول الرقمي، فاختفت الصحف الورقية جزئيًا بعد تسيد نظيرتها الإلكترونية، وربما غابت نهائيًا، خاصة في السودان بسبب ظروف الحرب. افتقدنا أكشاك الجرائد، وصياح الباعة الذين ابتكروا بيع الصحيفة لأكثر من قارئ في اليوم ثم ضمها للمرتجع اليومي، وافتقدنا متعة المسح البصري السريع على العناوين قبل اختيار واحدة، وافتقدنا الاستفراد بالجريدة بعد وجبة الغداء وقراءتها من الغلاف للغلاف، وافتقدنا المجلات بشكلها القديم، وهو موضوع آخر يستحق الكتابة عنه.
في ظل التحدي الذي فرضته شبكة الإنترنت والتسارع التقني الذي اكتسح العالم بقفزات رأسية منهياً عهد التمدد الأفقي الرتيب، فرضت الصحافة الإلكترونية نفسها شكلاً ومحتوى على الساحة الإعلامية كمنافس قوي وربما قاتل للصحافة الورقية، إضافة إلى ظهور أجيال جديدة لا تبالي بالصحف المطبوعة، وظهور المواقع الإلكترونية التي تنقل النص والصورة معًا لتوصيل رسالة متعددة الأشكال، واحتفاظ الزائر لأطول وقت ممكن، إضافة لسرعة معرفة الأخبار ورصدها لحظة بلحظة على عكس الطرق التقليدية، وإمكانية غياب مقص الرقيب على المواد الصحفية الصارخة نظرًا لكون الإنترنت عالمًا مفتوحًا.
جالت في بالي كل هذه الخواطر وأنا أتابع على البعد التدشين الأنيق للموقع الإلكتروني لصحيفة "أكشن سبورت"، التي تهادت يومها عروسًا بإدارتها ومسؤولي تحريرها وطاقمها الفني وبعض كتابها. ولابد لي أن أشيد بمجلس إدارتها وطاقمها، الذين خطوا بها في زمن قصير خطوات وضعتها في مكان بارز وسط منصاتها، والآن يتدرجون بها نحو عوالم الإنترنت ويبحرون وسط تدفق الرقمنة في تحدٍ جديد نثق بقدرتهم على مجابهته.
الألف تهنئة… ودامت الأفراح.
0 التعليقات:
أضف تعليقك