من المؤسف والمحزن جدًا ما نسمعه في هذه الأيام، سواء في مجالس الأسر الخاصة أو في المجتمعات العامة، عن التباعد الأسري الذي لم يعد يقتصر على الإخوة والأخوات فحسب، بل امتد ليشمل الأبناء والأقارب فيما بينهم.
فقد أصبحت بعض الأسر تتحدث باستمرار عن سوء العلاقة بين الأقارب، وليس بين صغار العائلة كما قد يُظن، بل بين كبارها وعقلائها، الذين يُفترض أن يكونوا القدوة في الودّ وصلة الرحم.
وللأسف، تنعكس هذه الخلافات على الأبناء، فينقطع حبل التواصل بينهم، حتى بات بعضهم يعلن صراحةً أن علاقته لا تتعدى دائرة أصدقائه، دون أي صلة بأبناء عمومته أو أخواله أو عماته أو خالاته.
وأصبحت المناسبات الاجتماعية تُقابل بالاعتذار عن الحضور، بعدما تسرّب إلى النفوس الكره الموروث من الشحن المتواصل، والنقل المشوّه لصورة الأقارب من كبار الأسرة.
وهكذا يلتقط الأبناء هذه العدوى النفسية، فيُورثون البغضاء والعداوة، ويتحول التنافس الطبيعي بينهم في مجالات التعليم والعمل إلى غيرةٍ مَرَضية تولّد الحقد والضغينة من كل طرف تجاه الآخر.
ولهذا نقول وننصح:
لا تُربّوا أبناءكم على الكُره والأنانية، بل ربّوهم على الرحمة.
لا تُربّوا أبناءكم على أن يكونوا الأوائل في كل شيء، بل علّموهم أن يكونوا الأطيب، والأصدق، والأرحم.
فالعالم لا يحتاج إلى مزيد من الأذكياء بقدر ما يحتاج إلى مزيد من النبلاء وأصحاب الأخلاق والفضائل الكريمة.
علّموهم أن الخير لا ينقص بالعطاء، وأن الكلمة الحنونة تُرمّم ما لا يُرمّمه المال.
علّموهم أن الفرح الحقيقي ليس في أن يفوزوا وحدهم، بل في أن تمتد أيديهم لتُعين غيرهم على الوصول أيضًا.
الأنانية نار صغيرة، إذا سكنت قلب الطفل كبرت معه حتى تحرق علاقاته وتُطفئ إنسانيته.
وحين يرى الطفل والديه يتسابقان في حبّ الخير، ويتقاسمان اللقمة، ويشكران النعمة، سيتعلّم تلقائيًا أن السعادة تُولد حين نعطي، لا حين نأخذ فقط.
علّموهم أن كلمة "أنا" ليست عظيمة، بل "نحن" هي الكلمة التي تبني البيوت والقلوب، وتغرس المحبة والألفة في الأسرة الواحدة والممتدة.
علّموهم أن الكرم ليس فقط في المال، بل في الوقت، والكلمة، والابتسامة.
علّموهم أن يعتذروا إذا أخطأوا، وأن يسامحوا إذا أُسيءَ إليهم، وأن يفرحوا لنجاح غيرهم كما يفرحون لأنفسهم.
فالتربية ليست أن تصنع ابنك نجمًا فوق الجميع، بل أن تعلّمه أن يُضيء لمن حوله دون أن يحرق أحدًا.
ازرعوا في أبنائكم بذرة الرحمة، فإنها إن نبتت… أزهرت جيلًا لا يُؤذي ولا يُؤذى.
0 التعليقات:
أضف تعليقك