الزبير نايل
توطن في ذهني، وعند الكثيرين أو هكذا يفترض — أن “الوزارة” مسؤولية وعرق ومشقة وعصف ذهني لا يهدأ، لاستيلاد الأفكار واجتراح الحلول لخدمة الناس. وهي بهذا الفهم، مَغرمٌ لا مغنم.
في البلاد التي مطرها شتاءً، عندما يتعثر قطار في سكته، يخرج المسؤول يتصبب عرقا خوفا من أن يسأله المواطن: لماذا لم تصلح لي الطريق؟ وعندما يحدث إخفاق أو تنقطع خدمة، يسارع للاعتراف بالخطأ دون لجلجة، يعتذر بمودة، وربما قدّم استقالته فورا لأنه يرى نفسه موظفاً عاما، خادما للشعب، وأن المنصب مسؤولية لا مصلحة ولا أبهة.
يدخل المسؤول الوزارة، ويخرج منها كما دخل، خفيفا من الغنيمة، مثقلا بالهم العام.
لكن، وما أقسى ما بعد “لكن”، يدخل بعض مسؤولينا الوزارة كما لو دخل سوقا لا يريد الخروج منه إلا وقد (استفاد)!
المنصب ليس مفتاحا لكنز دفين ولا بوابة للجاه، وإنما ورشة يومية للسهر وخدمة الوطن بكل تجرد وإخلاص ونكران للذات. وبهذا التوصيف، يُقبل المنصب باعتباره تكليفا لا تشريفا. والفرق شاسع جدا بين من يرى الوزارة منفى طوعيا من الراحة لأجل الآخرين، وبين من يراها استراحة أو مصيفا على حساب الشعب.
الوزارة الحقيقية في جوهرها، امتحان أخلاقي وميزان لصدق الانتماء قبل أن تكون منصبا سياسيا. فمن دخلها بروح الخدمة خرج منها مكللا باحترام الناس، ولو بعد حين. ومن دخلها بروح الغنيمة، خرج منها منبوذا، ولو تزيّن بالألقاب.
فالتاريخ لا يحفظ المقاعد، بل يحفظ المواقف… ولا يخلّد الأسماء، بل يخلّد من خدم الناس بصدق، وجعل من العرق وساما، ومن المنصب دربا إلى رضا الشعب، لا مرقاة إلى التسلط والثراء.
وما أكثر الذين ارتقوا في وجدان شعوبهم بعد خروجهم من الوزارة، لا لشيء إلا لأنهم فهموا معناها الحقيقي، وقدموا للناس قبل أن يأخذوا، وبنوا الثقة بدلا من أن يهدموها..
0 التعليقات