إذا كانت الأوطان تُقاس بالمساحة، فإن المملكة العربية السعودية تُقاس بالرحابة. وإذا كان الكرم يُوزن بالمكيال، فكرم أهلها يفيض عن كل مكيال.
في هذه الأرض الطيبة، حيث تعانق الكعبة السماء، ويهطل النور من المدينة على القلوب، وجد السوداني وطنًا ثانيًا لا تقل دفئًا عن وطنه الأول، ووجد شعبًا يشبهه في الطبع والسجايا، في النبل والشهامة، في الشهقة الأولى للدعاء، والزفرة الأخيرة للرضا.
منذ وطئت أقدام السودانيين أرض المملكة، وهم يغنمون من أخلاقها قبل أرزاقها، يجنون من طيب معشر أهلها قبل عطاياها. لم يشعروا بالغربة، لأنهم بين إخوة لا يعرفون الترفع، ولا يتعاطون مع الآخر إلا بمنطق الأخوة الإسلامية والإنسانية الرفيعة.
السعوديون لم ينظروا إلى السوداني كلاجئ، ولا كعابر سبيل، بل كضيف كريم له مكانه في القلب قبل الميدان، في المجالس قبل المؤسسات. فتحت لهم البيوت كما فُتحت أمامهم أبواب العمل والرزق، وكان في تعاملهم تجلٍّ لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه."
ولم يكن هذا الاحتفاء المؤثر وليد لحظة، بل هو دَيدَنٌ راسخ، وميراث من قيم العرب النبيلة، التي أعلت من شأن الجار، واحتفت بالضيف، وتشبثت بروابط الدم والدين والمصير المشترك.
ولعل ما ميّز العلاقة بين أبناء السودان والمملكة أنها بُنيت على الإخلاص لا المصالح، وعلى النقاء لا التكلّف، وعلى الصبر المشترك في المحن والفرح الجماعي في أوقات العطاء. ففي كل مهنة، وفي كل حيّ، وفي كل منبر، ترى السوداني يُحسن، ويُخلص، ويُبادل الوفاء بوفاء، وكأنه يقول: "إن من لا يشكر الناس لا يشكر الله."
نحن السودانيين، وإن تباعدت بنا المسافات، لا ننسى هذه الأيادي البيضاء، ولا هذه القلوب التي وسعتنا يوم ضاقت علينا الدنيا، فكان أهل السعودية - قيادةً وشعبًا - نعم العون، ونعم الرفيق.
اليوم، نقولها لا تزلّف فيها ولا تكلّف:
شكرًا للمملكة، شكرًا لهذا الوطن الذي ضمّنا كما تضم الأم طفلها، شكرًا لهذا الشعب الذي علّمنا أن الأصالة ليست شعارًا، بل سلوكًا.
وإن من أصدق الدعاء ما يكون من قلب امتلأ عرفانًا، فنقول:
اللهم احفظ المملكة العربية السعودية، وادم عليها أمنها ورخاءها، ووفق ولاة أمرها، واجعلها دار خيرٍ وسلامٍ على الدوام.
واحفظ السودان وأهله، وقرّب فرجه، واجمع شمله، واجعل بين الشعبين المحبّين جسورًا لا تهدّها العواصف ولا تعكّرها السياسة.
فالمحبة إذا كانت صافية، كتبت لها الخلود.
0 التعليقات