نبض الكلمة
رندة المعتصم أوشي
دار (فوز)... والخليل
على خاصرة طريق الموردة، أثرٌ لمبنى قديم، كان مصدر حيوية ونشاط مجتمعي، سياسي، فني، وأدبي، هو دار (فوز).
وفوز هذه، غادة حسناء، هي صاحبة هذه الدار، أو (الصالون) كما كان يُطلق عليه. كان يجتمع فيها الشعراء، والفنانون، والوطنيون المنتسبون لجمعية اللواء الأبيض.
كان خليل فرح ريحانة وروح هذا الصالون. كان خليل أفندي منصة الإعلام الوطنية، يبلّغ الجمهور رسالة الثورة، يكتب كلماتها، أو يغني ما كُتب عنها.
وكان الخليل يكتب برمزية، لكن في إهاب رومانسي، وقد يكون الحبيب رمزًا للوطن، نرى ذلك في أغنياته التي تتسم بالعاطفة الجيّاشة، لكن يظل الوطن هو المبتغى.
انظر إلى أغنيته (فلق الصباح)، الأغنية المملوءة بوصف الطبيعة وحُسنها، غير أننا نتأمّل بعمق ونقرأ "فلق الصباح"، وما الصباح إلا رمز للانعتاق والحرية.
كان خليل واهبًا روحه لوطنه، كتب ما لم يبلغه غيره، كتب السيرة الذاتية للمدينة السودانية، فيذكر في أغنيته الأخيرة، الأغنية التي سكب فيها لوعات الفراق المر، وهو بين الندماء في دار فوز:
ما هو عارف قدمو المفارق
يا محط آمالي السلام
يرثي فيها نفسه، وهو في ليلة الوداع، والنزوح إلى مصر للاستشفاء من داء أزعجه.
يذكر فتيح، والخَور، والطريق الشاقي الترام، ثم يذكر أم درمان وسمومها:
من سموم الصيف لاح لو بارق
لم يزل يرتاد المشارق
كان دلال كان تيه كلو لايق
نحنا ما ملّينا الخصام
(لاح لو بارق)، والبرق الذي يلوح هو الأمل، الحرية التي تنتظر.
ثم يتجلّى الخليل ويذكر مشهدًا بديعًا:
قدلة يا مولاي حافي حالق
في الطريق الشاقي الترام
قال الأديب الدبلوماسي النابه عبد الهادي الصديق، رحمه الله، في كتابه "نقوش على قبر الخليل"، معلّقًا على: "قدلة يا مولاي حافي حالق"، إن خليل التقط هذه اللوحة من مشهد الإحرام في شعيرة الحج، حيث يكون المعتمر أو الحاج حافي القدمين، حالق الشعر (حافي حالق).
ولك أن تتأمّل كل هذا الجمال الذي حمله ذاك القلب، مكنون آمال وأحلام وطنه التي سكبها، فأضنته وأورثته علّة.
نعود إلى الخليل في الحلقة القادمة... وربما في مرات كُثر.
نقلا عن آكشن سبورت
0 التعليقات