عدد الزوار: 567,720

تابع آخر أخبار الرياضة من صحيفة أكشن سبورت – تغطية مباشرة وتحليلات مميزة لجميع البطولات المحلية والعالمية.

صرخة من الأعماق... من يكفكف دمعتي

الصورة

الزبير نايل
حين سمعت ذاك الصوت الدافئ يترنم: "حتى الطير يجيها جعان ومن أطراف تِقيها شبع".. رفرفت أحلامي الصغيرة، وقلت لنفسي: إذا كانت الطيور العابرة تُشبع في بلادي، فأنا ابنة هذه الأرض، حتماً لن أجوع..
لن أخاف..
لن أُهان..
لن تحترق ألعابي وملابسي..
أصدقوني القول… هل كان إسماعيل حسن ود حد الزين يبالغ حين قدّس الوطن، أم أن الخذلان جاء ممن باعوا ذلك الإرث العظيم بأبخس الأثمان؟
قريتي، التي كنت أبني فيها قباب الرمل بيدين مبتلتين بالمطر، قد احترقت وصارت رمادًا..
بيتنا، شجرتنا، حقيبة مدرستي وألعابي كلها تلاشت في لهيب النار.
أمي.. خرجت لا تحمل إلا وجهي المذعور، وعينان تحكيان ما لا تسعه الكلمات.
أبي.. أصبح شارداً، يتفقد شيئًا لا نراه… كأنه يفتش عن كرامته في الحطام.
كل خيمة لجأنا إليها كانت حفرة يُدفن فيها جزء من روحي.. وكل فجر لا يعيدني إلى قريتي كان يُسقط ورقة من شجرة طفولتي..
في فضاء مفتوح كالسجن، تمضي أيامي بملامح غريبة لا تشبه الأطفال..
أرسم بيتًا على الرمل فيمحو الليل ملامحه، أكتب اسم الوطن فتسقط دموعي لتطمسه.
لم يخبرني أحد أن الوطن، حين يخونه البعض ويبيعه آخرون في أسواق الكراهية، يصبح مقبرة للأحلام وساحة واسعة للتشرد واليتم ومزادًا للبيع والشراء..
أنا ابنة الفاشر والدلنج وكادوقلي، التي وعدوها أن الطير لا يجوع في بلادها… لكنني جعت، وقالوا لها: "نحن نخوض النار عشان (فِد) دمعة"، لكنني بكيت بدموع غزيرة.. تشردت، بردت، وخفت من غدٍ لا يشبهني..
فمن يمسك بيدي ويسكت هذا الأنين الثقيل الذي يسكن صدري كطرق لا ينتهي؟
من يعيد لي يقين الصباح بأن الشمس تشرق لتمنحنا الدفء لا لتفضح جراحنا؟
من يزرع في روحي أمانًا يشبه حضن أمي وطمأنينة تعيد للقلوب صلتها بالحياة؟
أنا ابنة المدن التي احترقت، والسهول التي تناثرت عليها الدماء..
أنا التي لا تطلب الكثير.. فقط قلبًا صادقًا يقول: لن تظلي وحيدة.
شارك عبر:
img
الكاتب

إبراهيم عوض

فريق آكشن سبورت

0 التعليقات

أضف تعليق

سيظهر اسمك وتعليقك فقط للجميع