عدد الزوار: 567,720

تابع آخر أخبار الرياضة من صحيفة أكشن سبورت – تغطية مباشرة وتحليلات مميزة لجميع البطولات المحلية والعالمية.

حالغربة الزمانا طويل

الصورة

نبض الكلمة

رندة المعتصم أوشي

(وادي عبقر)، تقول الأسطورة إنه وادٍ باليمن تسكنه جماعة من الجن، كان مزارا لشيوخ الشعر، يغشونه، يتلقون وحيا، همسا من الأشعار. ولكم في السودان من وادٍ وكم فيه من عبقري!

كبوشية، وجبل أم علي، وشندي، والمتمة، رياض من جلائل الإبداع والفتون؛ هنا شدا عبدالله الماحي، سجع محمد ود الفكي، ثم حملا سحر الغناء وفتونه إلى أم در (البقعة). ليتك تسمع "متى مزاري"، ليتك توفي روحك بما يسكرها طربا؛ وعبدالله الماحي ينقلك، يقودك قودا إلى مرافيء الامتاع، تهدا جوانحك، وتهتز أعطاف قلبك نشوة.

ثم أشرقت الأرض، وكان عمر الحاج الطيب الدوش من المتمة، البلدة العتيقة، من أبنيتها الشعبية ونيلها، وأشجارها المثقلة بالثمر الناضج. وفي الأمسيات حكايا وأقاصيص وأساطير تُروى. كانت مخيلة الطفل تخزن كل هذا، قطرةً فقطرة، كانت سنابل الشعر قد أتمت نضجها، ثم انفجر المعين وسلساله العذب العصي.

وعمر الحاج الطيب الدوش يبتدر مطالع وصيغا جديدة للغناء، شيء يقتضي التأمل والاستغراق. محمد وردي أحس بكل هذا العمق، التراكيب المحدثة، الأخيلة، دفق الأشواق، عذاب الروح، المناجاة وبث المواجع. إنه إسقاط، ظل لروح معذبة. محمد وردي كان يكمل ألحان أغنياته في أيام قليلة، لا غرو، فهو المقتدر الباذخ، غير أنه وقف متأملاً، مستغرقا في لوحة الدوش (الود)… كم سهر، أنفق أياما طويلة وشهورا، ثم أطلت "الود" نجمة في سماء الغناء السوداني، زهرة أشبعها الفراش لثما.

استمع الناس لـ"الود"، كان اكتشافا لغناء جديد، تسمعه ويبقيك في أتون إحساس لا تستطيع منه فكاكا. ثم ارتقى وردي، ابن وادي حلفا (وادي عبقر)، ولا ريب، وضع لحن الأغنية بين يدي (أندريا رايدر)، موسيقار عبقري هو الآخر، لمس اللحن روحه، فسمع المتلقي موسيقى أضفت القَاء على الأغنية، التي اجتمع لها علم وأصالة ونهج علمي، وضعها في دائرة التذوق الرفيع.

كتب الدوش هذا النص وهو في يفاعته، قبل أول الشباب؛ نص معمور بعاطفة صورها الشاعر في رقة تحيلك إلى أحاسيس مضطربة بين لوعة وأسى و"دموع البهجة والأفراح". كتب الدوش النص البديع برومانسية في أهاب من روح إنسانية، كتبها تحت ظل حلم، خيال، أو واقع تجربة مبكرة. ولربما أراد التعبير إنابةً عن أولئك الساهرين، المسهدين، متمثلًا صباباتهم وأشواقهم ورجاءاتهم. كتب النص وهو دون العشرين من العمر، وما هذا بعمر يسع كل هذه التجربة العظيمة التي أودعها الشاعر في قلوبنا.

غير أن عمر الطيب الدوش، هذا، يحيل كل شيء واقعًا، بل ضرورة. انظر معي إلى (الغربة الزمانا طويل)… (شوقي الليك طول لس معاي)… انظر إلى بكائية الزمن (غلاب)، وحسرة الماضي الذي لن يعود. يمضي الدوش بجسارة المحب، يجابه الزمان، وحيله، ومكره: لكن نحن عشناه ومشينا على عذاب وعذاب، ودروبنا تتوه ونحن نتوه.

لمن كنت تبث كل هذا الفيض من العواطف الحرى؟ هل كان غناءً للذات، أم تراك تغني أطيافا وأخيلة ملأت روحك المعمور بصفاء ونقاء؟ ثم جعلت الأقدار أمر لقائك بالهرم الكبير ميسرا، جعلتنا من زمرة العاشقين لهذا المنتج الرفيع

شارك عبر:
img
الكاتب

إبراهيم عوض

فريق آكشن سبورت

0 التعليقات

أضف تعليق

سيظهر اسمك وتعليقك فقط للجميع