عدد الزوار: 567,720

تابع آخر أخبار الرياضة من صحيفة أكشن سبورت – تغطية مباشرة وتحليلات مميزة لجميع البطولات المحلية والعالمية.

مُنتخبنا .. يا (مقطعين دوباي)

الصورة

طق خاااص

خالد ماسا

ونغنّي .. ونغنّي مع العملاق وردي: "عشانك بقاتل الريح .. وعشانك فؤادي جريح"، عندما نجلس مصابين بكسور مركبة في الخاطر، والأخبار تنقل ما يحدث في الفاشر وكادوقلي، وآلة الموت تحصد الأرواح، فيصبح كل شيء مرتبطًا بالوطن ماسخًا ومنزوع الدسم والمحبة.

ومشاركة منتخبنا الوطني في بطولة أمم إفريقيا للمحليين، في هذا الظرف الوطني الدقيق، تتعدّى حالة كونها نشاطًا رياضيًا إلى كونها محاليل في الوريد الوطني، و"تكايا" للأرواح التي خطفتها الحرب، نستمع فيها أجمعين ـ بخلافاتنا واختلافاتنا وخطاب الكراهية الذي يفرّقنا، وحالة الاحتقان التي تظلّل سماء بلادنا منذ عامين ـ إلى النشيد الوطني الذي يوحّد وجداننا بهتاف: "هذه الأرض لنا فليعش سوداننا علمًا بين الأمم".

وبجمال عبقرية "الحاردلو" وهو يشرح للعالم معنى "غضبة الهبباي"، ندير رؤوسنا ناحية شاشات القنوات الناقلة للقاء صقور الجديان أمام نيجيريا، وهم يقولون للعالم: نحن السودانيون ما زلنا أحياء، والحرب لم ولن تمنعنا "العديل والزين" .. فرّقتنا البندقية وجمعتنا ٩٠ دقيقة من الانتماء الوطني، قدّم فيها أبناء الوطن أوبريت: "منتخبنا .. يا سمح يا زين"، فكان وجه الشعب السوداني "مليان غُنا".

ما حدث أمس الأول لم يكن انتصارًا في مباراة لكرة القدم، بل كان مشروعًا للتعافي الوطني من سموم الحرب والانقسام .. كان ضمادة لجرحنا الوطني الكبير في الشهداء والجرحى والمفقودين، وفاقدي الجبيرة الوطنية في مدن النزوح ودول اللجوء، وذلّ صفوف الإغاثة وهواننا على العالمين.

أربعة أهداف كانت ـ هكذا ـ أكبر من انتصار على المنتخب النيجيري .. كانت نداءً إنسانيًا لإيقاف الحرب وإعلاء صوت السلام .. كانت "مقطعين دوباي" ولحنًا واحدًا منظومًا على السُلّم الوطني، نقرأه من نوتة انتمائنا لهذا الوطن الذي نعشق ترابه.

شكرًا .. شكرًا جميلًا أبناء منتخبنا الوطني على "أنسولين" الانتصار العريض، وانتشال أرواحنا من غيابة الجبّ الذي وضعتنا فيه الحرب منذ عامين .. شكرًا لأربع رحلات لعودتنا الطوعية من كآبة الحرب وشرورها إلى محطة الوطن الكبير .. شكرًا لاتفاقنا الوحيد في وسط اختلافاتنا التي تأكل في أرواحنا.

انتصارنا أمس الأول هو رسالتنا لكل من ينتظر رفات هذا الوطن وشعبه بالمؤامرات، بأن الشعب السوداني لا زال .. لا زال قادرًا على أن يصدح بـ"نحن جند الله جند الوطن"، وأنه إن دعا داعي الفداء لم نخن، وأننا ـ وفي ذات هذه الظروف ـ قادرون على أن نشتري المجد بأغلى ثمن.

ما قدّمه لاعبونا في مباراة نيجيريا تلك هو بضاعتنا الوطنية .. بترولنا وصمغنا العربي وقطننا طويل التيلة .. هو وجهنا للعالم بتنوّعنا .. الجبّة والسديري .. الجلابية والتوب والسيف والسكين .. بزنجيتنا التي نفاخر بها، وبعروبتنا التي ننتمي إليها .. هو مياهنا العذبة في النيلين، وصحراؤنا، ونخيلنا، وجبالنا .. كان هو قولنا للعالم بأننا نمتلك ما هو أجمل من وجه الحرب .. هو حملتنا الوطنية ضد حمى الضنك والكوليرا ونقص الغذاء.

نكتب هذا لأن من حققوا هذا الانتصار كانوا قد ذهبوا إلى أرض المعركة وهم مجرّدون من كل شيء إلا إيمانهم بالواجب الوطني بصناعة فرحة للشعب السوداني في عزّ الهجير الوطني لبلد لم ترَ الفأل منذ عامين، ولم تسمع المردوم والدوباي، ولم ترقص الكمبلا والعرضة والجراري، ولم تتحدث إلا بلغة الرصاص.

انتصارنا العريض كان بمثابة خطاب "الأمل" الذي افتقدناه، وخريفنا في زمن الجفاف الوطني، ومنديل من سالت دموعهم رغبةً في العودة للبيوت .. لأزقّتنا وللرواكيب وبيوت "الجالوص" .. كان خطاب التهنئة بعد صفحات نعينا الوطني الكبير.

شارك عبر:
img
الكاتب

إبراهيم عوض

فريق آكشن سبورت

0 التعليقات

أضف تعليق

سيظهر اسمك وتعليقك فقط للجميع