بهدوء
علم الدين هاشم
في زمن الحرب وغياب الدوري وتوقف عجلة الكرة السودانية، كان كثيرون يظنون أن منتخبنا الوطني للمحليين سيذهب إلى بطولة أمم أفريقيا كضيف شرف، أو على الأقل كرقم يسهل تجاوزه، لكن ما حدث في أرض الملعب كان صفعة مدوية لكل تلك التوقعات، وربما لكل من قلل من شأن هذا المنتخب.
أربعة أهداف كاملة في شباك نيجيريا… نتيجة لم يعرفها تاريخ مواجهات المنتخبين، جاءت لتعلن أن صقور الجديان حاضرون، وأنهم ليسوا هناك للتجربة أو التمثيل المشرف، بل للتأهل والمنافسة. الصدارة التي انتزعها المنتخب من قلب المجموعة الرابعة، متفوقًا على السنغال بفارق الأهداف، ليست مجرد ترتيب في جدول… إنها رسالة بأن كرة القدم السودانية قادرة على النهوض حتى من تحت الركام.
ما يضاعف قيمة هذا الإنجاز أن المنتخب لم يجد بيئة إعداد مثالية، بل ذهب للبطولة دون مباريات ودية ودون دوري منتظم يرفع من جاهزية لاعبيه، على عكس خصومه الذين جاؤوا بأسلحة كاملة. ورغم ذلك، استطاع المدرب كواسي أن يبني فريقًا منضبطًا، قاتل بشراسة أمام الكونغو، ثم فجّر المفاجأة الكبرى أمام نيجيريا.
من كان يراهن على أن بطاقتي التأهل ستكونان بين السنغال ونيجيريا، بات اليوم يعيد حساباته. المجموعة التي بدت محسومة على الورق انقلبت معادلاتها في الميدان، وأصبح السودان على بُعد خطوة واحدة من ربع النهائي.
لكن يجب أن نحذر: الانتصار التاريخي لا يعني أن المهمة انتهت، فمواجهة السنغال ستكون اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة المنتخب على تثبيت أقدامه في المنافسة، وإثبات أن الرباعية لم تكن “ليلة استثنائية”، بل بداية لمسار متصاعد.
ما فعله لاعبو السودان حتى الآن يستحق الإشادة، لكنه في الوقت نفسه يفضح تقصير المنظومة الكروية التي تركت المنتخب بلا إعداد حقيقي، واعتمدت فقط على الروح القتالية لتعويض الفارق. فإذا كان بالإمكان صنع هذا الإنجاز في ظل الإهمال، فما الذي كان يمكن أن يحدث لو توفرت الظروف الطبيعية؟
ولأن التاريخ لا يكتب كل يوم، فإن مباراة السنغال القادمة هي لحظة الحقيقة: إما أن نؤكد أن ما حدث أمام نيجيريا كان بداية لملحمة سودانية في البطولة، أو نترك الإنجاز يذوب في ذاكرة عابرة. الرسالة الآن لكل لاعب في المنتخب: أنتم أمل وطن يئن تحت ثقل الحرب، وصوت فرحة نادرة وسط المعاناة. العبوا من أجل الشعار، من أجل الجماهير التي تتابعكم من كل مكان، من أجل أن يظل اسم السودان عاليًا في سماء أفريقيا.
فالمعركة لم تنتهِ بعد… وما ينتظركم في الميدان أكبر من مجرد كرة قدم، إنه امتحان للإرادة والعزيمة، وفرصة لتكتبوا أسماءكم بحروف من ذهب في سجل الأبطال.
0 التعليقات