الزبير نايل
أقلعت من السهول والوديان من قمم التاكا المشرئبّة ومن سعف النخيل الملوّح للشمس ومن كثبان الرمال الذهبية ومن لوزات القطن وغابات الهشاب ومن رموش عشاق الوطن الذين يبيتون على الأمل. حلقت عاليا تحمل في جناحيها الشموخ وفي مخالبها الأشواق والآمال تشق طريقها بين الرياح والسحب لتسكب في النهاية غيث الفرح على قلوب شعب صابر أضناه طول الانتظار.
هذه المرة حطّت صقور الجديان في زنجبار جوهرة المحيط الهندي، حيث البحر والقصص التي تفوح من عطر القرنفل والبهار... هناك في الأزقة الضيقة يتعانق صخب السوق مع همس الموج، وفي الشوارع المرصوفة بالحجارة العتيقة تقف الأبواب الخشبية المنقوشة كحراس لزمن سحيق.
ولأن الصقور لا تعرف الانكسار، ولأن أجنحتها خُلقت لتمزق الغيوم، دخلت أرضية ملعب أمان الدولي في زنجبار لملاقاة فريق نيجيريا في بطولة أمم إفريقيا للمحليين وهي تحمل إرثها في صدور لاعبيها وفي الخلفية صدى أنين المقهورين في زمن الحرب وصرخات الثكالى وأوجاع النزوح ممتزجة بهتاف الملايين الموزّعين على المدن والبلاد البعيدة.
وحين دوت صافرة البداية كانت الصقور كما عهدناها ماهرة في الصيد وبارعة في اقتناص اللحظة لا تترك للفريسة فرصة نجاة. انتزعوا الفرحة من بين مخالب النسور الخضر وأهدوا شعبهم ليلة عرس حقيقية في زمن قلّت فيه أعياد الفرح. كانت النتيجة مدوّية: أربعة أهداف بيضاء كأنها رسائل سلام وأمل.
كان طعم الفوز أشبه بفجر انبلج بعد ليل ثقيل ..انتصار روى عطشا وطنيا وأعاد للروح بعضا من أنفاسها وللقلب نبضه المعروف.
شكراً صقور الجديان لأنكم رفعتم الراية في زمن الانكسار وأثبتم أن الوطن مهما كانت جراحه فهو قادر على التحليق وسط الأنواء والغيوم.
0 التعليقات