بين الناس
أكرم الحلاوي
أصبح التفاخر والمباهاة بين الأهل والأصدقاء في زماننا المعاصر ظاهرة مؤلمة ومقلقة، تشبه السرطان الخفي الذي ينخر في روح العلاقات الإنسانية الدافئة، وتحولت اللقاءات العائلية والاجتماعية من مساحات للتواصل الصادق إلى ساحات للمنافسة الخفية، حيث يستعرض البعض ما يملك أو أنجزه، لا بهدف المشاركة البريئة، بل لإثبات التفوق. وهنا تتسلل الغيرة، وتضعف جسور الثقة، وتظهر المقارنات التي تزرع إحساسًا بالدونية لدى البعض، ووهم التفوق لدى آخرين.
ديننا الحنيف سبق إلى التحذير من هذه الآفة، فنهانا الله تعالى عن الكبر والمباهاة، كما في قوله تعالى:
﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (لقمان: 18).
هذه الآية ترسم منهج التواضع والبساطة الذي يحفظ المودة.
وقال ﷺ: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، فالكبر هو بطر الحق واحتقار الناس.
ومن منظور آخر: فإن المال الذي يجعلك متكبراً هو فقر مقنّع، والعلم الذي يدفعك للتعالي جهل، والمنصب الذي يحولك إلى جبار انحطاط، والقوة التي تُستعمل للبطش ضعف حقيقي. أما الغنى والرفعة والعلم الحق، فتجدها عند المتواضعين الذين يزرعون المحبة والتسامح.
أما من الناحية القانونية: فإن المبالغة في التفاخر، خاصة عبر وسائل التواصل، قد تعرض صاحبها للمساءلة في قضايا التشهير أو انتهاك الخصوصية، ما يستدعي الوعي والمسؤولية في كل ما يُقال أو يُنشر.
نصيحة:
ابنِ علاقاتك على الصراحة والاحترام، وتجنب كل ما يجرح الآخرين، فالنجاح لا يقاس بالصور الفاخرة ولا بالكلمات المنمقة، بل بصدق المحبة ودفء القلوب.
ختامًا:
إن التواضع ليس ضعفًا أو تراجعًا عن حقك، بل هو قوة راقية وأخلاق نبيلة تمنحك القبول في القلوب، وتحافظ على جسور الود عامرة مهما تغيرت الأيام.
0 التعليقات