في الصميم
حسن أحمد حسن
من المشاكل المسكوت عنها في مجتمعنا أننا نحمل الزوجة التي لا تنجب مسؤولية مشكلة العقم، بينما في كثير من الحالات يكون السبب الزوج، الذي يرفض الذهاب لإجراء الفحوصات الطبية اللازمة. هذا الرفض قد يكون نتيجة عقدة موروثة مفادها أنه "رجل"، وكأن الرجل لا يمكن أن يكون به علة!
يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه:
"يُغيّر الإنسان ملابسه مرّة بعد مرّة ليحافظ على نظافته، بينما يحتفظ بأفكار هي أشدّ اتساخًا من ملابسه، والأغرب من ذلك أنه يدافع عنها."
مقولة تقطر بالسخرية اللاذعة، وتكشف مأساة بشرية مزمنة: الاهتمام بالمظهر ونظافته، مقابل التمسك العنيد بالأفكار البالية، وكأنها جزء من الهوية أو ميراث مقدس لا يجوز المساس به.
نحن نغسل قمصاننا بانتظام، ونبدّل جواربنا يوميًا، لكن من منّا يراجع "جوارب أفكاره" المتعفنة منذ الطفولة؟ من منّا تجرأ على فتح خزانة معتقداته ونفض الغبار عنها؟ من منا صارح نفسه بأن الخطأ لا يمكن أن يُعالج بالخطأ؟ بل الأسوأ من ذلك، أننا نرتدي هذه الأفكار كأوسمة، وندافع عنها كما لو كانت حقيقة مطلقة.
تأمل في بعض الأشخاص من حولك: يحمل في رأسه فكرة من القرن الماضي، ملفوفة بورق الدين أو القومية أو العادات والتقاليد، ثم يصرخ دفاعًا عنها وكأنها نزلت من السماء. وعندما تحاول مناقشته، يستشيط غضبًا وكأنك أهنتَه شخصيًا لا فكريًا، أو قللت من رجولته، فهو لا يرى الفرق أصلًا!
الأفكار لا تُراجع لأنها "تخصّنا"، تمامًا كما لو أن أحدهم أهدانا قميصًا مليئًا بالبقع فرفضنا غسله احترامًا للهدية! نحن لا نراجع الأفكار، بل نجمّلها ونبررها ونُلبسها أقنعة الحداثة أحيانًا، ونقول: "هكذا وجدنا آباءنا".
الإنسان قادر على غسل ملابسه، لكنه عاجز – أو بالأحرى رافض – لغسل دماغه. وهنا تكمن السخرية القاتلة: نبقي على الوسخ العقلي لأنه يُشعرنا بالانتماء، ويمنحنا وهم اليقين، ويريح ضميرنا الكسول من عناء التفكير.
في النهاية، العالم لا يتقدم بتبديل القمصان، بل بتبديل الأفكار، أو على الأقل بغسلها كل فترة. والذين لا يفعلون ذلك، سيبقون أنيقين في مظهرهم، بالين في وعيهم.
ومثالًا لا حصرًا على هذه الأفكار البالية التي يتمسك بها البعض:
• أب لديه طفل يعاني من مشكلات ذهنية أو سلوكية مثل التلعثم أو فرط الحركة، لكنه يتمسك برأي الجدة بضرورة عرضه على "شيخ فلان" أو "فكي علان"، بينما الطفل يحتاج إلى تدخل طبي متخصص.
• زوجة طال بها الزمان ولم تُنجب، وكثرت عليها الأسئلة من الأهل والأصدقاء والجيران، بينما الزوج يرفض رفضًا قاطعًا مقابلة الطبيب المختص، رغم أن زوجته تأكدت من سلامتها الصحية.
• انتشار أمراض وراثية مثل الشلل أو الإعاقات السمعية أو البصرية المتكررة في بعض الأسر نتيجة زواج الأقارب، مع رفض قاطع من أقارب الطرفين لإجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج، باعتبار الحديث في هذا الموضوع "عيبًا".
هذه المواقف السلبية لا علاقة لها بالتحضر، رغم أننا نعيش في زمن تطور فيه العلم وتقدمت فيه وسائل العلاج، وأصبح كشف الداء وتناول الدواء مخرجًا لكل مشكلة. بل وصلنا إلى مرحلة "الذكاء الاصطناعي". لذا، لا بد للإنسان أن يغسل عقله من الأفكار المتحجرة، وأن يواكب الواقع العلمي المتطور.
والله من وراء القصد.
0 التعليقات