عدد الزوار: 567,720

تابع آخر أخبار الرياضة من صحيفة أكشن سبورت – تغطية مباشرة وتحليلات مميزة لجميع البطولات المحلية والعالمية.

غيمُ الخرطوم يهطل على تلال كيغالي

الصورة

الزبير نايل
جمعتهما الصدفة في أحد مقاهي العاصمة الرواندية كيغالي بعد رحلة لجوء قاسية من لظى الحرب.. جلستْ صامتةً وهي تحدّق في الرذاذ على زجاج المقهى كأنه يحكي شيئاً من حكايتها في ذاك الضحى الماطر.
كان يراقب نظراتها، وهي تغزل حديثاً صامتاً مع بخار القهوة الذي يرسم خطوطاً متعرجة... حاول كسر صمتها قائلاً:
"كيغالي تشبه الخرطوم في بعض الوجوه… هادئة، خجولة، وتخبئ دهشة في زواياها أليس كذلك؟"
ردت بعفوية:
أتحب المطر؟
"نعم، أحبه .. بل أعشقه… منذ صغري وهو يوقظ عندي أشياءَ لا أعرف لها اسماً"..
تحدثا طويلاً كأن بينهما معرفة قديمة، ثم قال لها:
هل تتحرّجين من كلمة لاجئة؟
أطرقت قليلاً، ونظرت إلى الزجاج الذي غطاه الرذاذ كأنها تبحث عن إجابة.. وبصوتٍ يكسوه الأسى قالت:
اللجوء ليس عاراً نحمله، بل قدرٌ فُرض علينا… لم نخترْ أن نترك بيوتنا، ولا أن نصبح أرقاماً في طوابير اللجوء والنزوح… لكنّها الظروف، هي التي دفعتنا إلى هذا المصير..
أخفض عينيه بحرج:
سامحيني… لم أقصد أن أضغط على هذا الجرح النازف.
فأجابت بزفرة حارة:
لا تعتذر… الجراح لا تُشفى بالصمت، بل بالمكاشفة والتصالح مع الذات.
وحين بدأ المقهى يفرغ من روّاده، نهضت هي، وبابتسامة تشبه ضوء الفجر، قالت:
"سأعود قريباً إلى الخرطوم"
شعر بتيارٍ دافئ يهز قلبه، وتمتم:
"سنلتقي قبل ذلك الميعاد"
عبرتْ ممراً ضيقاً بين مقاعد المقهى، وتركت خلفها صدى حديثها وورقة صغيرة فيها نصف سطر..
(بعض اللقاءات تكفي لتمنحنا عمراً آخر)..
لم تمض سوى أسابيع حتى عرف عنها كل شيء.. زار أسرتها اللاجئة في ضواحي كيغالي، يطلب يدها وكأنما يريد بذلك استردادَ جزءٍ من أرض بلاده..
كان الجميع، رغم مرارة اللجوء، متعطشين لفرحٍ ينبت وسط هذا اليباب، فسارعوا إلى ترتيب مراسم الزواج، كأنهم يخشون أن تباغتهم الحياة بفاجعة أخرى.
وتمّ الفرحُ اللاجئ... كانت ليلةً خالصة الملامح والطقوس على تلك الأرض البعيدة التي لا تشبه السودان إلا بذاك الدفء الذي وفرته الصدفة..
كان عرساً مثل غيمةٍ ساقتها الرياح من سماء السودان لتهطل على روابي كيغالي..
من رحم تلك الصدفة.. وُلد على أرض "التلال الألف" فرح سوداني صغير، لكنه كان بحجم وأنفاس الوطن.
شارك عبر:
img
الكاتب

إبراهيم عوض

فريق آكشن سبورت

0 التعليقات

أضف تعليق

سيظهر اسمك وتعليقك فقط للجميع