الزبير نايل
في زمن احتجبت فيه صورة الإنسان الجميل خلف دخان الحرب والشتات، تُضيء كلمات الأوفياء كشعاع يخترق العتمة ويعيد رسم الملامح النقية لما كدره الواقع وشوّهه الإعلام.
من بين تلك الإضاءات تجيء خاطرة الزميل العزيز بشبكة الجزيرة أحمد فال ولد الدين، الإنسان الذي عرف السودان لا من كتب التاريخ ولا من حكايا الأسلاف بل من المعاشرة اليومية والملامسة الوجدانية.
كتب أحمد فال على جدار صفحته:
“بعد أن خبرت السودانيين في أماكن عدة كنت أجد صعوبة شديدة في تصور الحرب في بلادهم…”
كأنّه وهو يكتب لا يسجل انطباعا عابرا بل يدون شهادة عن معدن شعب يحمل قلبا يفيض دفئا ..
ويواصل قائلا: “عندما أرى سودانيا في مدينة كبيرة لا قلب لها أشعر بالاطمئنان…”
هذا الانطباع الذي تشكل في روح الشنقيطي النبيل لم يكن وليد مصادفة بل هو خلاصة تجربة حيّة مع نماذج سودانية حفرت حضورها في وجدانه، فلم يجد بدا من الاعتراف:
“أنا حتى اللحظة، لا أسمع اللهجة السودانية إلا وشعرت بالاطمئنان.”
وهنا تتجلى المفارقة العجيبة… إذ كيف لشعب بهذه الصفات أن تنشب الحرب بين أبنائه وكيف لمن جُبل على الطيبة أن تُستنبت في أرضه الكراهية؟
لذا يقول أحمد فال بتعجب صادق:
“الحرب تغيّر الإنسان وتبعده عن فطرته…”
ولعل في هذه العبارة عزاء لنا نحن أبناء السودان بأن ما يحدث انحراف طارئ عن طبيعتنا أنبتته رياح الفتنة ورعته أيدٍ لا تمت للإنسانية بصلة.
ولصديقي أحمد فال أقول:
السوداني الذي تغنيت بخصاله وأثنيت على شمائله ما زال هو هو. قد تكالبت عليه البلايا واجتاحته رياح الطامعين لكنه لم يبدّل طبعه ولم ينكسر جوهره.
ما زال الكرم يسكن داره وما زالت الشهامة تملأ ملامحه وما يحدث فهو عارض سرعان ما ينقشع.
أعلم يا صديقي أن السمات التي أحببتها في السوداني ليست محض صدفة وإنما رواسب جينات قوم تواطؤا على الخير وتربوا على أن يكونوا ظلا لمن لا ظل له وما نعيشه اليوم رغم قسوته لا يمكنه أن يطمس جوهر الإنسان السوداني ..
فطوبى لك يا ابن شنقيط إذ لم يضل بصرك عن جوهر الحق ولم يعمِ بصيرتك ضجيج السلاح…
0 التعليقات