عدد الزوار: 566,475

تابع آخر أخبار الرياضة من صحيفة أكشن سبورت – تغطية مباشرة وتحليلات مميزة لجميع البطولات المحلية والعالمية.

أختي لقيطة (2)

الصورة

في الصميم – حسن أحمد حسن

مواصلةً لموضوعنا السابق (1) "أختي لقيطة"، تشهد الأيام التي تلي ولادة هذا الطفل (مجهول النسب) صراعات كثيرة وحيرة أكبر، لأن الأمر يتطلب تسجيله في الأوراق الرسمية واستخراج شهادة ميلاد له. وهنا تعيش الأم وأسرتها أزمة حقيقية، حين يرفض الأب الحقيقي إلحاقه به – إن كان له أب معروف – وربما ينتقل الأمر إلى المحاكم أو مجالس التحكيم، أو إلى صفحات الصحف والمواقع الإلكترونية، كما حدث في بعض الحالات. وهنا تزداد الفضيحة، وتلحق بهذا المولود (أو المولودة) وأمه وصمة أخلاقية واجتماعية لا تُنسى، وقد يُمنح له اسم مؤقت لتجاوز الأزمة لحين البتّ في مصيره.

لا ينعم هذا الطفل (أو الطفلة) بحياة طبيعية؛ فالأم تعيش حالة من التعاسة بسبب تَنَكُّر الأب لابنه، وهي إما تسعى بين المحاكم لإثبات نسبه، أو تتذلل لأبيه لقبوله وقبولها. وفي كل الحالات، تواجه وصمة اجتماعية وأخلاقية لا تقل – بل ربما تزيد – عن تلك التي يواجهها طفلها. وبما أن الأم هي الحضن الوحيد له، فإن كليهما يعانيان معًا من نظرة اجتماعية جارحة، وواصمة، ومؤلمة، ورافضة، ومتسائلة، ومتشككة... مهما بدا الظاهر غير ذلك.

وعندما يكبر الطفل، يكتشف اختلافه عن أقرانه الذين يرون آباءهم يحضرونهم إلى المدرسة، أو يستقبلونهم بالأحضان، ويصحبونهم إلى منازلهم، ويشترون لهم الهدايا، ويرافقونهم في الرحلات، ويحملون عنهم الخوف والقلق. أما هو، فلا يجد حوله سوى أم بائسة، ضعيفة، منبوذة، كسيرة، غاضبة، ووحيدة.

وتشتد الأزمة في مرحلة المراهقة، حين يدرك المراهق أنه مجهول النسب، خاصةً مع ما يُعرف بـ"أزمة الهوية"، التي يمر بها كل مراهق لتتحدد كينونته وتوجهاته. وإذا كان المراهق العادي يمرّ بهذه الأزمة بصعوبة، فإن المراهق مجهول النسب يعاني منها بشكل مضاعف؛ فغياب الأب يعني غياب الانتماء، بينما يرى أقرانه يفخرون بعائلاتهم وآبائهم، ويشعر هو وكأن الأرض قد انسحبت من تحته، وكأنه بناء بلا أساس.

الهوية مطلب أساسي للإنسان، وإذا كانت مشوشة أو غامضة أو مضطربة، فإن ذلك ينعكس سلبًا على بنائه النفسي. والمأساة لا تتوقف عند غياب الأب، بل تتضاعف بنظرته إلى الأم، التي أنجبته من علاقة خاطئة ولم تُهئ له مقدمًا طبيعيًا للحياة. فتتكون لديه مشاعر متناقضة: الحب، والغضب، والاحتقار، والعتاب... تجاهها. وهذه المشاعر لا تقتصر على الطفل أو المراهق فقط، بل تنسحب أيضًا على الأم تجاه ابنها؛ فهي رغم حبها الأمومي، تشعر أحيانًا بالرفض والعبء، لأنه يذكّرها بخطيئتها، ويمثّل جزءًا من رجل تخلّى عنها، وترَكها تُواجه وحدها مصيرًا مؤلمًا.

وقد أظهرت الأبحاث أن الأطفال مجهولي النسب أكثر عرضة للاضطرابات الانفعالية والسلوكية، مثل العدوانية، والسرقة، وصعوبات التعلم. كما أن الحمل سفاحًا يرتبط أحيانًا بسمات شخصية مرضية في الأم – مثل الاندفاع، والمخاطرة، والتقلب الانفعالي – وهي سمات يمكن أن تنتقل إلى الطفل.

أما السؤال المحيّر فهو: متى وكيف نخبر الطفل بحقيقة نسبه؟

تقول إحدى الفتيات: "أختي لقيطة، لكننا عاجزون عن إخبارها بذلك".

الإجابة تتوقف على عوامل كثيرة، ولكل حالة خصوصيتها. لكن التجارب أثبتت أن أفضل وقت لإخبار الطفل يكون بين الثانية والرابعة من عمره، بطريقة مبسطة تناسب وعيه، كأن يُقال له إن والده ذهب بعيدًا، وأن من يربيه يحبه ولن يتخلى عنه أبدًا. فالأفضل أن يعرف الحقيقة من داخل أسرته، لا من خارجها، لأن اكتشافه للحقيقة لاحقًا قد يولّد شعورًا بالخيانة.

وفي النهاية، بعض الأطفال يتقبلون هذه الحقيقة، وبعضهم يهرب منها إلى عالم مجهول.

شارك عبر:
img
الكاتب

إبراهيم عوض

فريق آكشن سبورت

0 التعليقات

أضف تعليق

سيظهر اسمك وتعليقك فقط للجميع