بقلم: محمد الخطيب
mkhateeeb@gmail.com
المريخ ليس مجرد نادٍ لكرة القدم؛ هو تاريخ، وهوية، ومجدٌ صنعه رجال ومواقف وجماهير تؤمن بأن الأحمر الوهاج ليس مجرد لون، بل انتماءٌ وسيرة ومسيرة.
غير أن ما يشهده النادي هذه الأيام من تدهور إداري، وانهيار مؤسسي، وفوضى داخلية، يُنذر بأن الزعيم قد بلغ مرحلة الغرق الكامل، ويبحث عن أيادٍ حقيقية تنتشله، لا عن مزيد من المتفرجين.
من استقالة جماعية لمجلس إدارة المهندس عمر النمير، إلى تفكك أروقة شورى المريخ، مرورًا بانسحابٍ مُذل من بطولة كأس السودان، وخسارة لقب النخبة، بدا وكأن النادي يتهاوى دون مقاومة. استقال المجلس تحت ضغط جماهيري كثيف، لكن البيان الصادر لم يشرح شيئًا، بل اكتفى بعبارات عامة عن "المصلحة العليا" و"الاستقرار"، وكأن الفشل لم يكن يومًا مسؤولية.
أما في كواليس الشورى، فالمشهد أكثر إرباكًا. الخلافات الداخلية بدأت تطفو على السطح، وبرزت أصوات تتهم من أداروا النادي بأنهم لا يملكون حتى الحد الأدنى من الارتباط بتاريخ المريخ أو الوعي بحجمه. ثم جاءت استقالة رئيس الشورى، ود الياس، لتضيف فراغًا آخر إلى مؤسسةٍ تعاني أصلًا من تآكل في كل مفاصلها.
ولأن الانهيار لا يعرف التوقف عند سقف، فقد كشفت تقارير مالية موثوقة أن نفقات النادي التشغيلية الشهرية تتجاوز 600 ألف دولار. مبلغٌ ضخم لا يُدار بالعواطف أو الوعود الموسمية، بل يتطلب خطة محكمة ودعمًا مستدامًا، وهو ما لم يتحقق. وبدلًا من ذلك، وُجّهت جهود الإدارة إلى خطابات دعم طائفية، دون معالجة حقيقية لأزمات التسجيلات، أو تجديد عقود اللاعبين، أو حتى تأمين جهاز فني مستقر.
أمام هذا التصدع الكامل، علت الأصوات المطالبة بعودة رموز النادي، وفي مقدمتهم محمد الشيخ مدني وجمال الوالي، ليس لخلق "نظام منقذ" فقط، بل لإعادة ترميم النادي من الجذور. إلا أن العودة وحدها لا تكفي دون رؤية واضحة وخطة مكتملة.
الحل يبدأ بلجنة تطبيع محايدة، تقود مرحلة ترتيب البيت، وتعمل على إصلاح النظام الأساسي بما يضمن تمثيلًا حقيقيًا، لا مصالح متنازعة. يليها تشكيل لجان فنية وإدارية من أبناء المريخ أصحاب الخبرة والرؤية، تسندها حملة إعلامية شفافة تقطع الطريق أمام الشائعات وتستعيد ثقة الجمهور.
وقبل كل شيء، يحتاج النادي إلى تسوية عاجلة لملفاته المالية، بدءًا بالجهاز الفني، مرورًا باللاعبين، وانتهاءً بملفات الدعم والرعاية.
المريخ اليوم لا يقاتل على لقب، بل يقاتل من أجل البقاء ككيان كبير في ذاكرة كرة القدم السودانية. لم يعد الصراع مع الهلال أو غيره من الأندية، بل بات مع الذات، مع الارتباك، مع غياب البوصلة.
فإما أن يتحرك العقلاء، وتُفتح أبواب التصحيح بثقة وجدية، أو نكتفي برؤية الزعيم يتحوّل إلى ذكرى جميلة، وصورة باهتة معلقة في أروقة التاريخ، بينما الواقع يمضي نحو الهاوية.
النداء الأخير ما زال ممكنًا... والمريخ لا ينقصه الحب، بل ينقصه الفعل، والإرادة، ورجال يعرفون ماذا يعني أن تكون زعيمًا لا يسقط.
0 التعليقات