أ
بقلم: محمد الخطيب
من يطالع المشهد الراهن لنادي المريخ السوداني، سيجد نفسه أمام واقعٍ مؤلمٍ ومرير، يتناقض كليًا مع تاريخ هذا الصرح الكبير الذي لطالما زلزل المستطيل الأخضر، وزرع الفرح في قلوب جماهيره الممتدة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. فقد تحوّل نادي المريخ – في غفلةٍ من الزمن – من نادٍ تهابه الخصوم وتنتظره البطولات، إلى ساحةٍ مشتعلة بالصراعات، تائهة في دهاليز الفوضى والقرارات المرتجلة.
استقالات جماعية... وغياب الرؤية
آخر فصول الانهيار تمثّل في الاستقالة الجماعية لأعضاء مجلس إدارة النادي بقيادة المهندس عمر النمير، بعد ضغوط جماهيرية وإعلامية متواصلة، كشفت عن عمق الأزمة الإدارية التي يعيشها النادي. هذه الخطوة – وإن كانت متأخرة – تكشف حجم الغضب الشعبي ودرجة السخط على طريقة إدارة النادي، التي افتقرت إلى الرؤية والاتزان والشفافية.
لم تسلم الجوانب الفنية من الارتباك؛ فبعد مرحلة التراجع، تعاقب على تدريب الفريق عدد من الأسماء دون استقرار حقيقي، آخرهم شوقي غريب، الذي فشل في طبع هوية كروية للفريق. غابت الروح عن اللاعبين، وتاه الأداء وسط غياب الحافز وانعدام الاستقرار الإداري، لتتساقط النتائج مثل أحجار الدومينو.
رغم كل هذا الانحدار، ظل جمهور المريخ هو الحائط المتين، والسند الصادق لهذا الكيان الجريح. جمهور لم يتخلَّ عن ناديه، ظل يهتف في المدرجات، ويكتب في الصفحات، ويعتصم بالكلمة واللافتة، مطالبًا بالإصلاح والتغيير. جمهور بحجم أمة، يستحق أن يرى ناديه في منصات التتويج لا في مرافعات الفشل.
إنّ انتشال نادي المريخ من هذا المستنقع لا يحتاج إلى معجزات، بل إلى خطواتٍ عمليةٍ جريئةٍ وشجاعة:
• تشكيل لجنة تطبيع قوية ومحايدة تُدير النادي مؤقتًا لحين إجراء انتخابات نزيهة.
• تعديل النظام الأساسي بما يضمن منع التفرد بالقرار، وتمكين العضوية الفاعلة.
• الاعتماد على لجان استشارية فنية وإدارية من أبناء النادي من أصحاب الخبرة والكفاءة.
• الاستثمار في البنية التحتية وقطاع الشباب، لضمان ديمومة التميز الكروي.
• بناء فريق إعلامي مهني يدير المحتوى ويوجه الرأي العام باحترافية، تحفظ كيان النادي وتوضح الحقائق بعيدًا عن المهاترات.
المريخ ليس مجرد نادٍ لكرة القدم، بل مؤسسة رياضية وثقافية وتاريخية، نبتت من رحم الشعب، وساهمت في صياغة الوعي الجمعي للسودانيين. ولهذا، فإن ما يحدث له الآن لا يُشبهه، ولا يُشبه تاريخه، ولا يليق بجماهيره.
لقد آن الأوان لأن يلتف الجميع – من إدارة ولاعبين وجمهور وإعلام – حول مشروع نهضةٍ حقيقي، يعيد للمريخ مكانته وهيبته، ويكتب فصلًا جديدًا من البطولات، بدلًا من السير الأعمى في نفق التيه والانكسارات.
0 التعليقات