طَق خـــاص
خالد ماسا
وبمتابعة عامة للمنافسة الأولى لأندية كرة القدم في السودان، "الدوري الممتاز"، يمكننا القول إن إطلاق مسمّى منافسة لا يتّسق والواقع الموجود منذ انطلاق البطولة وحتى الآن. فقد ظلّت البطولة حصرية على ناديي القمة، وستظل كذلك لسنوات قادمات، إذ لا توجد أي مؤشرات تُنبئ بتجاوز ثوابت هذه البطولة، والتي تتشابه في ذلك مع عدد من بطولات الإقليم والعالم، مع اختلافات طفيفة في الترتيب، وكبيرة في روح التنافس، التي نعتقد أنها معدومة تمامًا في الدوري السوداني، لا سيما فيما يخص المركزين الأول والثاني، مهما كانت الظروف الفنية والإدارية التي تمر بها القمة السودانية.
فبقية الأندية لا تملك سوى أن تفتح ممر الشرف لهذين الناديين للتنافس على المركزين الأول والثاني.
ولهذا، كنا نعتقد أن الناديين لم يخسرا شيئًا حينما فرضت الحرب توقُّف المنافسة، واتّجها للمشاركة في الدوري الموريتاني، الذي لا يختلف كثيرًا عن دورينا الممتاز من حيث طبيعة التنافس. والدليل على ذلك أن الهلال حقق البطولة بأقل مجهود، وبفارق كبير في المستوى والنقاط عن أقرب منافسيه، مع كامل الاحترام للاتحاد الموريتاني على كرم الضيافة والسماح لأنديتنا بالبقاء في أجواء يُفترض أنها تنافسية.
وباستثناء كونها الطريقة الوحيدة للحصول على بطاقة المشاركات الخارجية، فإن هذه البطولة تُعد من أبرز أسباب فشل أنديتنا في إحراز البطولات القارية، بل هي خصم واضح من رصيدها، تارةً بسبب سوء التنظيم، وتارة أخرى بسبب ضعف البنية التحتية، إضافة إلى الانخفاض المريع في مستوى التنافس الفني.
فلا تزال المسافة بين المركزين الأول والثاني (المحجوزين للقمة)، والمركز الثالث الذي تتناوب عليه بقية الأندية، هي سنين ضوئية.
ويظل التفكير الخلّاق ضرورة ملحّة لرفع القيمة الفنية للمنافسة. غير أن هذا التفكير لا يبدو حاضرًا في الخطط، بل إن ما يُمارس الآن هو إغراق للبطولة بعدد أكبر من الأندية، ما يضعف مستواها بسبب الضعف الفني والمالي والإداري لتلك الفرق، ويُرهق الأندية التي تشارك في البطولات الخارجية إلى جانب الدوري المحلي، مع كامل الاحترام للأهداف القومية التي تدعو إلى توسيع قاعدة المشاركة.
وبالنظر إلى شكل الملاعب التي أُقيمت عليها نسخة النخبة الأخيرة، وإلى إمكانيات المدن التي ستُقام فيها مجموعات نسخة الدوري 2026، أعتقد أنه من الضروري أن تجلس إدارات الأندية المشاركة أفريقيًا مع الاتحاد العام لإجراء تقييم شامل لتجربة الدوري المحلي وأثره على المشاركات القارية لأنديتنا ومنتخبنا الوطني.
فرغم بعض المستويات المشرفة التي تُحققها أنديتنا ومنتخبنا بين حين وآخر، والتي تُعزى غالبًا إلى اجتهادات إدارات الأندية وصرفها الخاص، إلا أن البطولة المحلية تُسهم بنسبة ضئيلة – وربما تكون خصمًا مباشرًا – من هذا المستوى، ولا أظن أن أي قيمة تنافسية يمكن أن تتحقق في بطولة يتم إغراقها بأندية تعجز حتى عن تغطية مصروفاتها اليومية من سكن وترحيل وإعاشة، ناهيك عن متطلبات العمل الاحترافي في نشاط صار اليوم صناعة واستثمارًا.
ولو ألقينا نظرة على قائمة الأندية التي أحرزت البطولات الإفريقية خلال العقدين الماضيين، فلن نجد من بينها نادٍ ينتمي لبطولة محلية ضعيفة أو تُقام مبارياتها على ملاعب تشبه الكوارث التي نلعب عليها.
وباستثناء ومضات التحكيم السوداني المتمثلة في "شانتير" و"نيالا"، وكوتة اللاعبين السودانيين الذين دفعتهم الحرب إلى الدوري الليبي، فإنه من المستحيل أن نسمع بأن مدربًا سودانيًا مطلوب في أي دوري خارج السودان، حتى في أضعفها.
وتلك هي المؤشرات الواقعية لقياس ضعف المنافسة المحلية، والحاجة المُلِحّة لعقد مؤتمر رياضي قومي لمناقشة سبل تطوير المنافسة المحلية لكرة القدم، خدمةً لأنديتنا ومنتخبنا الوطني.
0 التعليقات