كلمة حرة مباشرة
عصام الخواض
في كل مرة نحدّث أنفسنا بأننا من خير الأمم، وأننا نملك من القيم والمروءة ما يجعلنا في طليعة الشعوب، تصفعنا الحقائق البسيطة والمؤلمة التي نعيشها في يومياتنا: نحن نتفاخر كثيرًا، ونتراجع أكثر.
كيف لنا أن ندّعي أننا أصحاب حضارة وقيم سامية، بينما نعيش الفشل في تفاصيل سلوكنا اليومي؟
كيف نكون الأفضل ونحن في ذيل قوائم الشفافية، والنظافة، والتعليم، والعدالة، والابتكار؟
نتغنّى بالماضي ونتشدّق بالقيم: الكرم، الشجاعة، الدين، الوفاء. لكننا في الواقع نكذب، ننافق، نغش، نسرق، نحتقر القانون، نضرب الذوق العام عرض الحائط، ونتحدث بطريقة غليظة خالية من الاحترام.
هل نعرف عبارات مثل: عفوًا، آسف، من فضلك، إذا سمحت، شكرًا، أنا أخطأت، أنت على حق؟
في الشارع؟ في الدوائر الحكومية؟ في بيوتنا؟ الإجابة للأسف: نادرًا، إن لم تكن أبدًا.
لا نلتزم بقوانين المرور، لا نحترم الطابور، لا نستخدم المرافق العامة بشكل حضاري، والمراحيض العامة كأنها انتقام من الإنسانية.
الخريف عندنا يصبح موسمًا للأكاذيب الرسمية، يتكرّر فيه تصريح مدهش: "الخريف فاجأنا"، وكأن المطر يحدث لأول مرة منذ الخلق.
نُمارس القمع في البيت، والمدرسة، والمسجد، والجامعة، ووسائل التواصل، والمجالس.
الصوت العالي عندنا حُجّة، والاختلاف كفر، والرأي المخالف جريمة.
نؤمن أننا دائمًا على صواب، ونقمع من يخالفنا، ونسخر منه، ونشيطنه، ونقوده إلى المقصلة الاجتماعية حتى يخرس.
نرعد ونزبد بكلمات "قال الله" و"قال الرسول"، بينما يسخر إبليس من أفعالنا.
نصوم ونكذب، نصلي ونغتاب، نحج بمالٍ حرام، نمارس الظلم ونتصدّق بفضلات الضمير.
نكره الناجحين، نُحبط الطموحين، ننتظر فشل الآخرين كي نفرح ونقول: شفنا؟ ما بينجح زول!
نُمارس الانتهازية بأقذر صورها، نتاجر بالأزمات، ونتغذى على معاناة غيرنا، حتى أصبحنا شركاء أصيلين في كل كارثة نعيشها.
الطبقة السياسية التي حكمتنا منذ ما يسمى بالاستقلال لم تسقط علينا من كوكب بعيد، ولم تُخلق من العدم.
هي صورة مطابقة للمجتمع الذي أنتجها، ونحن من صنعها بصمتنا، بنفاقنا، بجهلنا، وبقبولنا المزمن للقبح والفساد.
لن نتقدّم ما لم نكفّ عن الكذب على أنفسنا.
لن ننهض ما لم نعترف بأننا نعاني، وأن لدينا مشكلة أخلاقية وسلوكية وثقافية ومعرفية.
السبيل الوحيد هو ثورة فكرية معرفية تبدأ من الفرد قبل الجماعة، ومن القاعدة قبل الرأس، ومن البيت قبل الحكومة.
لقد جرّبنا كل شيء إلا أن نُصلح أنفسنا.
فهل نمتلك الشجاعة لننظر في المرآة، ونقول: نحن المشكلة، ونحن الحل؟
0 التعليقات