خليك دبلوماسي
محمد مأمون يوسف بدر
في خضم العاصفة الاقتصادية التي تهزّ السودان، يقف المغتربون السودانيون كحصن منيع في حماية الوطن من الانهيار الكامل. تحويلاتهم، التي أصبحت العمود الفقري للاقتصاد الوطني والمصدر الوحيد للعملة الصعبة، تحمل في طياتها مفارقة صادمة: فهي تنقذ الملايين من الجوع، بينما تهدّد في الوقت نفسه باستنزاف القوة الشرائية إذا لم يتم إدارتها بحكمة.
الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن تحويلات المغتربين تحوّلت إلى شريان الحياة الرئيسي للاقتصاد السوداني. في ظل انهيار القطاعات الإنتاجية وتدهور الصادرات، أصبحت هذه التحويلات تمثّل المصدر الوحيد تقريباً للعملة الأجنبية التي تُمكِّن من استيراد الأساسيات من غذاء ودواء. لكن هذا الاعتماد الكبير يحمل مخاطره، إذ إن أي تذبذب في هذه التحويلات يعني زعزعة الاستقرار الاقتصادي بأكمله.
بنك المغتربين، أو (بنك المغترب)، ليس مجرد حل لمشكلة التحويلات، بل هو استراتيجية لتحويل هذا العمود الفقري للاقتصاد من حالة الاعتماد إلى قوة دفع تنموية. من خلال تحويل جزء من هذه الأموال إلى استثمارات منتجة في العقارات عبر مدينة "بيت الوطن"، أو إلى مشاريع تنموية في القطاعات الحيوية، يمكننا تحقيق معادلة ذكية: تحويل تدفّق العملات الأجنبية من عامل تضخّم إلى محرّك للتنمية، ومن مصدر اعتماد إلى أداة لبناء قدرات إنتاجية محلية.
المدينة السكنية "بيت الوطن" تمثّل الحلقة المفقودة في هذه المعادلة؛ فهي لا توفّر فقط سكناً لائقاً للمغتربين وأسرهم، بل تحوّل جزءاً من تحويلاتهم – التي تشكّل العمود الرئيسي للاقتصاد – إلى استثمارات عقارية حقيقية، تحفظ قيمتها، وتخلق فرص عمل، وتُنشّط قطاعات البناء والخدمات المرتبطة بها.
بنك المغتربين، بفروعه الحيوية في الخرطوم، وبورتسودان، ومدني، والأبيض، ودنقلا، ووجوده داخل مبنى جهاز المغتربين، ومدينة "بيت الوطن" المنتشرة في ولايات السودان الرئيسية، ليست مجرد مبادرات تنموية عابرة، إنما يشكّلان معاً خطة إنقاذ اقتصادي متكاملة. إنهما درع واقٍ يحوّل نعمة التحويلات من خطر تضخّمي إلى وقود تنموي، ومن أموال استهلاكية إلى استثمارات منتجة.
التحدي الأكبر يكمن في أننا أمام فرصة تاريخية يجب استغلالها الآن. فتحويلات المغتربين، التي تشكّل العمود الفقري للاقتصاد اليوم، قد لا تستمر إلى الأبد إذا لم نوفّر لها القنوات النظامية الآمنة.
الوقت ليس في صالحنا؛ فكل يوم تأخير يعني استمرار تسرب جزء من هذه التحويلات الحيوية في قنوات غير منتجة. القرار الآن بين أيدينا: إمّا أن نتحكّم في هذا الشريان الحيوي للاقتصاد ونوجّهه لبناء المستقبل، أو نتركه يضيع بين شقوق التضخّم وأزمات السوق السوداء.
الخيار واضح، والتنفيذ يجب أن يكون فورياً... قبل أن تفلت منا آخر فرصة للإنقاذ.
https://3ctionsport.com
0 التعليقات