عدد الزوار: 567,720

تابع آخر أخبار الرياضة من صحيفة أكشن سبورت – تغطية مباشرة وتحليلات مميزة لجميع البطولات المحلية والعالمية.

هل ضاعت إنسانيتنا؟

الصورة

كلمة حرة مباشرة

عصام الخواض


في زمنٍ ليس ببعيد، كانت الحياة أكثر بساطة، والعلاقات أكثر صدقًا ودفئًا. لم يكن الهاتف الذكي موجودًا، وكانت العلاقات تُبنى على اللقاء، والمجالس، والضحك الحي، والنظر في العيون. كنا نتحادث لا نُراسِل، نختلف وجهًا لوجه ونتصالح من القلب إلى القلب، وكان للوقت نكهة لا تشبه ما نعيشه اليوم.

لكن هذا المشهد تغيّر بهدوء، ثم تسارع إلى أن صار واقعًا لا يمكن تجاهله. الهاتف المحمول، الذي كان وسيلة للتواصل، أصبح اليوم سيّد الموقف، ومركز الحياة، بل ومُربّي الأجيال الجديدة. تحوّلت الأسرة إلى جزرٍ معزولة داخل البيت الواحد، كل فردٍ مشغولٌ بشاشته، يغيب عن من حوله رغم قربهم الجسدي.

لم نعد نلتقي بأطفالنا إلا قليلًا، لأن المُربي الأول بات شاشةً مضيئة لا تكلّ ولا تملّ. يتعلّم الطفل لغته من فيديوهات قصيرة، ويكتسب عاداته من مشاهير لا يعرفهم، وتتشكل شخصيته على يد خوارزميات لا قلب لها. لقد سُلِبت العائلة دورها الطبيعي في التربية، وصارت تُشاهد أبناءها يُعاد تشكيلهم كل يوم أمام عينيها، دون أن تتمكن من التدخّل أو التعديل.

المشكلة لا تقف عند حدود التربية فقط، بل تتعدّاها إلى تفكّك الروابط الإنسانية. الصداقات أصبحت افتراضية، والتفاعل العاطفي اختُزل في "إيموجي" ورموز سطحية، والدفء العائلي تلاشى في ظل العزلة الرقمية. نعم، نملك آلاف الأصدقاء على الإنترنت، لكن الوحدة الحقيقية باتت سمة هذا العصر. ومن المُقلق أن الطفل الذي يقضي عشر ساعات يوميًا أمام الشاشة، لم يعد يملك القدرة على التركيز، أو بناء حوار طبيعي، أو حتى إدراك الواقع بمعاييره البسيطة.

وإذا استمر هذا المسار لعشر سنوات أخرى دون تدخل حقيقي، فإننا أمام جيل لا يعرف ذاته إلا من خلال المحتوى السطحي، ولا يشعر بانتماء حقيقي لعائلته أو ثقافته. جيل هشّ في وجه التحديات، سهل الانقياد، ومحروم من المعنى الحقيقي للانتماء والعلاقة. وهذا لا يعني رفض التكنولوجيا، بل رفض أن تتحوّل إلى بديلٍ عن الإنسان.

الحل لا يبدأ من المدارس أو الحكومات، بل من داخل بيوتنا. نحن بحاجة إلى استعادة علاقتنا بأطفالنا، والجلوس معهم لا إلى جوارهم فقط، بل في داخل عوالمهم، نصغي لهم ونشاركهم دون شاشات. نحتاج إلى قوانين داخل الأسرة تضبط استخدام الأجهزة، إلى وقتٍ محدد للهاتف، إلى مائدة طعام خالية من التشتّت، وإلى حديثٍ مسائي نسمع فيه من أبنائنا أكثر مما نُحدّثهم. كما نحتاج إلى إعادة إحياء اللقاءات الحقيقية، والأنشطة الواقعية، واللعب في الحي، والذهاب إلى المراكز الثقافية، ومشاركة الآخرين في مساحة لا يمكن للإنترنت أن يسرقها.

التربية الحقيقية هي أن نعلّم أبناءنا كيف يحبّون، كيف يحزنون، كيف يتجاوزون الخوف، كيف...


https://3ctionsport.com

شارك عبر:
img
الكاتب

إبراهيم عوض

فريق آكشن سبورت

المقال السابق
فرحان ..... وزعلان

0 التعليقات

أضف تعليق

سيظهر اسمك وتعليقك فقط للجميع