الزبير نايل
********
سألني صديقٌ باستغراب بعد أن قرأ ما كتبته في أكشن سبورت عن فوز الهلال في موقعة الدامر، وقال لي لم أكن أتوقع أن تكون مشجعا للهلال لأني لم أر منك ما يشير إلى ذلك، ما دفعني لأروي لكم حكايتي مع الأزرق...
في ليلة من ليالي الصيف التي تكتسي فيها السماء حُلة من ضوء القمر الفضي، كانت قريتنا تتنفس فرحا كأنها على موعد مع عرس. تحلق شباب القرية والمذياع يتوسطهم والمعلق الرياضي الرشيد بدوي عبيد الذي يحبس بصوته الأنفاس كأنه يقود أوركسترا من الحماسة والانفعال.
كنت يومها في الثانوية ولا أدري الكثير عن كرة القدم لكنني كنت مأخوذا بحماسة الحاضرين وملاسناتهم التي تخلط الجد بالمزاح. في تلك الليلة كان لقاء الهلال والمريخ، كل شيء بدا ساحرا ما جعلني أتساءل: ما سر كل ذلك وما الذي يجعل الناس ينسون تعب النهار ويندمجون بهذه الحماسة مع لعبة لا تتجاوز تسعين دقيقة؟
جلست أتابع مستمتعا بردود فعل الحاضرين…كان خالي بتهذيبه الجم وهدوئه الجميل فارس تلك الأمسية.. لم يكن صوته الأعلى لكنه كان الأثقل أثرا. رجل يعشق الهلال حتى النخاع، يرد على هجمات خصومه من أنصار المريخ بردود مقنعة، وعبارات تنضح باللباقة والمعرفة والتاريخ.
انتهت المباراة بفوز الهلال وارتفعت الهتافات والصياح وابتسم خالي ابتسامة النصر وهو يطالع خصومه بلطف المنتصرين. أعجبني تصرفه وحينها حدثت نفسي سرا: أنا هلالابي.
قلتها بتلقائية ليس لأن الهلال ربح المباراة، بل لأن خالي كان يشجع بتلك الطريقة الفخمة والوقورة التي تستند إلى الذوق والحجة والمنطق.
أسررت لخالي باختياري.. ابتسم برضا وربت على كتفي قائلا: أول مباراة قادمة بين الهلال والمريخ سآخذك معي الاستاد.
وتمر الأيام وجاء الوعد المنتظر...
سافرنا بطريقي ترابي يحاذي النهر إلى الخرطوم.. وأمام بوابة استاد الهلال شعرت كأنني على عتبة مزار مقدس.. الجماهير تهتف على إيقاع الطبول، والأعلام الزرقاء ترفرف فوق سارية الاستاد وعلى المباني المحيطة به والسيارات التي تقل المشجعين..كان المشهد مهيبا وجميلا..
دخلت الاستاد وضجيج المشجعين يسد الآفاق … وحين سجل الهلال هدفه الأول وجدتني أقفز دون أن أشعر، أهتف وأصفق، وقد تسللت الحماسة إلى أعماقي كمن لاحت له البشارة.
انتهت المباراة بفوز الهلال والتفت إلي خالي ممازحا: لم يفز الهلال في الملعب فقط… بل فزت بك أنا يا ابن أختي حتى لا يسرقك أولئك (......).
أخذني إلى مطعم وطلب لنا شواء فاخرا مع عصير الليمون ،، وعلى رائحة ذلك الشواء كان يروي لي فصولا من تاريخ الهلال وملاحمه الخالدة ورموزه المضيئة.
ما زال طعم ذلك الشواء في لهاتي… وما زال الهلال في قلبي حنينا وذكريات قريتي ومجالسة أندادي وصوت خالي.
https://3ctionsport.com
0 التعليقات