عدد الزوار: 567,720

تابع آخر أخبار الرياضة من صحيفة أكشن سبورت – تغطية مباشرة وتحليلات مميزة لجميع البطولات المحلية والعالمية.

المريخ يحترق.. النمير وجزاء سنمار

الصورة

بلا ميعاد – عوض أحمد عمر

يمر نادي المريخ بأكثر فتراته قتامة واضطراباً؛ أزمة ليست كغيرها من الأزمات، لا على صعيد نتائج فريق الكرة فحسب، بل في استمراره ككيان جماهيري مؤثر ويمثل الوجه الآخر للقمة.


الأزمة التي يعيشها المريخ لا يمكن اختزالها في نجاح أو فشل التسجيلات، أو مدرب مغادر، أو لاعب مقصر، أو بيان مشترك، أو هزيمة ثقيلة من الهلال، بل هي أزمة منظومة إدارية فقدت توازنها ومقومات استمرارها، وباتت مرتعاً للاختلافات والتجاذبات، بل وللاختراقات بكل ما تحمله من سلبيات ومخاوف.


منذ سنوات ليست بالقليلة، تراجع الحضور الفاعل للأقطاب والرموز، وغابت قوة الدفع الجماهيري المؤثرة، وحلّ مكانها الاعتماد المفرط على دعم الجهات والمؤسسات الحكومية، سراً وعلناً، أو الأفراد المدعومين من هذه المؤسسات، حتى بات النادي يعيش على أنفاس الغير. وربما تنطبق الصورة ذاتها على الهلال، ولكن بدرجة أقل حدة وتأثيراً.


وكانت قمة هذا التراجع المريخي حين تسربت عناصر من الدعم السريع إلى الساحة المريخية، محمية بقوة المنصب السيادي لرئيسها محمد حمدان دقلو، تحت لافتة "إصلاح الاستاد"، ثم ما لبثت أن فرضت وجودها داخل المشهد الإداري، حتى بلغ الحال أن يُقدَّم مستشار حميدتي نائباً للرئيس في مجلس أبوجيبين، الذي حامت حوله شبهة الولاء للمتسربين، قبل أن ينفيها جملة وتفصيلاً.


وبلغ الحال من الغرابة والاستفزاز أن أصبحت الرئاسة الشرفية محل (الصفقة الكريهة)، عندما قُدِّم أحد أبناء خليفة حفتر... وما أدراك ما حفتر!


ما يحدث ليس مجرد اختلال إداري، بل تفكيك ممنهج لتاريخ النادي، ودخولٌ للأرجل الغريبة إلى إحدى المؤسسات الجماهيرية في لحظات غياب وشرود لأهل الوجعة في المريخ.


فالفرق شاسع بين إصلاح الملعب، الذي كان بالإمكان أن يتم عبر المجلس المنتخب، وبين ما حدث من سيناريوهات التخوين، وغياب الشفافية، والاختطاف في وضح النهار.


والمؤسف أن كل هذا كان يجري في غياب تام لأهل النادي الحقيقيين، الذين تركوا الساحة لمن لا تاريخ لهم فيها ولا انتماء، واختلت الكثير من المعايير المؤهلة للدخول إلى مجلس الإدارة.


في هذا الظرف العصيب، تولّى النمير رئاسة النادي، كمنقذ في وقت كانت تحيط بالنادي الكثير من الأزمات والقنابل الموقوتة، ليصبح بفضل هذه التراكمات أحد ضحايا الأزمة، لا القادم لحلها.


ورث النمير منظومة إدارية مهلهلة، ومجلساً عاجزاً عن الوفاء بأبسط متطلبات العمل الإداري، فاجتهد الرجل بما يملك، وفق إمكاناته، لكن طموحاته اصطدمت بجدار الأزمة العميقة، واتساع دائرة الخراب التي تحتاج إلى أكثر من نمير، وأكثر من منقذ.


وسط هذا الركام، عاد اسم الأستاذ جمال الوالي ليعلو من جديد، لاجترار ذاكرة الاستقرار وإحدى الفترات الذهبية.


نعم، كانت فترته حافلة بالدعم والتنظيم، والقبول الجماهيري المطلق،

لكن الزمن تغيّر، والمنابع جفّت، والمشهد اليوم أكثر تعقيداً، فضلاً عن تأرجح القبول بفعل عوامل التعرية والجفاف التي ضربت المشهد عامة، وليس الرياضي وحده.


حتى لو عاد الوالي، لن يعيد وحده الاستقرار المنشود، ولا يمكن له أن ينقذ النادي من واقع يحتاج إلى تضافر الجهود، لا إلى رمي العبء على شخص واحد مهما كانت إمكاناته ومقدراته.


المريخ لا يحتاج اليوم إلى إعفاء مدرب أو تسجيل مهاجم، بل إلى وقفة صادقة مع الذات ومواجهة الحقائق بوضوح.

إلى مراجعة جذرية تبدأ من الداخل، من الاعتراف بالخلل، لا بتغطيته بتصريحات منمقة أو بيانات غاضبة.


فالأندية الكبرى لا تنهار حين تخسر مباراة، بل حين تفقد القدرة والشجاعة في النظر إلى المرآة ببصيرة وعقل مفتوح.


إن إصلاح الفريق يبدأ أولاً من إصلاح المنظومة الإدارية، لا بالاستقالات التي تشبه الآن تساقط الفروع، ولكن بإعادة الأقطاب والرموز إلى موقع الفعل، لا الفرجة، وبفتح الأبواب لأهل الوجعة الحقيقيين لا الموسميين.


فالأندية الجماهيرية تُبنى على الوعي المؤسس وصدق الانتماء، لا على الواجهات المؤقتة ولا الرموز المصنوعة.


واجهوا الحقيقة يا مريخاب كما هي، لا كما يتمناها بعض المتعصبين وقصيري النظر.


أزمة المريخ لم تبدأ بتجاهل الهلال للبيان الثنائي (رامي وهيثم)، حتى يصبح ذلك محور النقاش ويتصدر أجندة التناول وإعلان الحرب والقطيعة.


هذا الطرح يُعد انحرافاً عن جوهر القضية، وهروباً من مواجهة الحقيقة، وتضليلاً للشارع المريخي الباحث عن مخرج حقيقي لا عن شماعات وحقن تخدير.


إن الترويج لهذه الاختلالات يخدم مصالح ضيقة، ويكشف عن غياب البوصلة وانعدام الحس النابه الموجّه.


فالمشكلة أكبر من هزيمة رباعية من الهلال، ومن البيان الثنائي فاقد الصلاحية، وأعمق من التوقيت والمواقف.


إنها أزمة كيان وإدارة، وانسحاب تاريخي لأهل النادي من موقع الفعل، لا انسحاب من مباراة كأس السودان التي أصبحت الآن جزءاً من الماضي.


والحقيقة المؤلمة أن انهيار المريخ ليس كارثة للنادي وحده، بل بداية لاهتزاز القمة، معاً الهلال والمريخ، واهتزاز القمة هو اختلال لمنظومة الرياضة بأكملها.


وقد دفعت الرياضة السودانية من قبل ثمن التصورات الخاطئة، حين أوعز البعض للرئيس نميري، لمجرد هتاف لحظي، بأن المشكلة تكمن في التعصب الهلالي المريخي، فقام بحل الأندية واستبدلها بالرياضة الجماهيرية، لتدفع البلاد الثمن غالياً ولا تزال.


لا تحملوا الأزمة للهلال، إن كان للتراجع عن البيان، أو للقسوة داخل الميدان بالفوز بالرباعية.


فالتمسك بهذا التبرير لا يعدو أن يكون سوى هروب إلى الوراء، ومحاولة لصرف النظر عن الأزمة الحقيقية التي قد تتفاقم، وتقلل من فرص الحل، وتزيد من أمد الأزمة وتعقيدها.


من يروّج لهذا الطرح، إنما يعمد إلى تغييب الحقيقة، ويؤكد انعدام الحس النابه المبصر والبوصلة الموجّهة.


المشكلة لم تكن يوماً في بيان أو التزام، بل في الغياب الإداري، وتآكل المؤسسية، وانسحاب أهل الوجعة في لحظة كان يجب أن يكونوا فيها أول من ينهض، لا أول من يبكي أو يبحث عن المبررات.


▪️آخر الكلم▪️


ما كشفه الدوري الموريتاني، الذي حلّ فيه المريخ سادساً، ثم دوري النخبة بظهور باهت في مجمله، وأكملته مواجهة الهلال، لم يكن مفاجأة، بل حصاد طبيعي لتدهور تراكمي. فلا النمير، ولا حازم، ولا أبوجيبين، ولا حتى سوداكال، يتحملون وحدهم هذا المصير.


جميعهم، بدرجات متفاوتة، ضحايا غياب المنهجية، وانسحاب الرموز، وتراجع الحس الجماعي بالمسؤولية... جميعهم، بدلاً من التقدير، كان حصادهم جزاء سنمار.


المريخ يحتاج إلى انتفاضة وعي، لا انقلاب متسرع وعلاج مجرّب.


إلى صدق مع النفس، لا إلى استدعاء الجراحات والبطولات الوهمية.


فهل ينهض أهل الوجعة ويتقدموا الصفوف قبل فوات الأوان؟


omeraz1@hotmail.com



شارك عبر:
img
الكاتب

إبراهيم عوض

فريق آكشن سبورت

0 التعليقات

أضف تعليق

سيظهر اسمك وتعليقك فقط للجميع