محمد الخطيب
mkhateeeb@gmail.com
من كان يظن أن نادي المريخ السوداني، الذي لطالما كان أيقونة للبطولات وأحد أبرز أعمدة كرة القدم في السودان، سينحدر إلى هذا الدرك من الفوضى الفنية والإدارية؟ من كان يتصور أن الفريق الذي ملأ القارة السمراء صيتًا، وتحاكى بتاريخه الخصوم قبل الأنصار، سيغدو فريقًا تائهًا، فاقدًا لهويته، عاجزًا عن ملامسة طموحات جماهيره؟
الواقع اليوم لا يحتمل المجاملة. فالمريخ يعيش لحظة تاريخية حرجة، بل يقف عند مفترق طرق حقيقي. كل ما كان يميّز النادي عبر تاريخه من استقرار إداري، ورؤية فنية، ومشروع تنافسي، تآكل أمام قرارات مرتجلة، ومدربين بلا رؤية، ولاعبين يفتقرون للانتماء، وإدارة تتعامل مع النادي وكأنه تركة قابلة للتجريب، لا كيانًا جماهيريًا يُفترض أن يُدار بمنطق المؤسسات والاحتراف.
التجربة الأخيرة مع المدرب المصري شوقي غريب لم تكن سوى حلقة في مسلسل الفشل المتكرر. مدرب دخل النادي بلا هوية واضحة، ولا بصمة تُذكر، فتخبط الفريق تحت قيادته بشكل محبط، يعكس غياب التخطيط لا أكثر. اللاعبون بدوا أشباحًا لأنفسهم، وروح الفريق اختفت، وكأنهم يؤدون مهمة ثقيلة لا يملكون رغبة فيها، لا مهمة الدفاع عن شعار نادٍ عريق.
الجماهير، كعادتها، كانت آخر الحصون التي لم تنهَر. صبرت طويلًا، وشجعت رغم الإخفاقات، وتمنّت التغيير مرارًا. لكنها اليوم تتساءل بصوت عالٍ: من يُحاسب؟ من يجرؤ على اتخاذ القرار الصحيح؟ إلى متى يستمر هذا العبث؟ وهل بقي من المريخ إلا الاسم؟
المشكلة ليست في نتيجة مباراة أو موسم، بل في الطريقة التي يُدار بها النادي. غياب المشروع، وغياب الشفافية، وتغييب الكوادر الفنية، وتقديم المجاملات على الكفاءة. ولا يمكن أن يتقدم نادٍ بهذا الحجم وسط هذا الكم من الارتجال، مهما كان تاريخه، ومهما بلغت شعبيته.
المريخ لا يحتاج إلى شعارات جديدة، بل إلى رجال يُدركون قيمته. يحتاج إلى إدارة تحترم جماهيره، وتخطط لمستقبله، وتعيد الهيبة لكيانه. لقد سئم الأنصار الوعود، وسئموا رؤية الفريق يُهزم في الميدان ويُستنزف خارجه. آن الأوان لبدء التغيير الحقيقي، لا بتبديل الأسماء فقط، بل بتغيير طريقة التفكير، وفلسفة الإدارة، ونمط التعامل مع هذا الصرح العظيم.
من المجد إلى التيه، لم تكن رحلة المريخ سهلة، لكنها ليست مستحيلة التدارك. فلا يزال في الوقت متسع للعودة، إن توفرت الشجاعة، وأُعلنت المحاسبة، وبدأ العمل الجاد. لأن المريخ لا يستحق هذا الواقع، وتاريخه لا يُلخّص في إخفاقات عابري السبيل
0 التعليقات