نبض الكلمة
رندة المعتصم أوشي
وخليل فرح لا يبرح الذاكرة أبدًا.
أغنياته المضيئة، ومصادر إبداعه،
تتدفّق ثرّة، كينابيع من تطريب تنقلك إلى أجواء من الفرح والانتشاء.
مُبهر إذا تغنّى للطبيعة والجمال،
وساحر حين يرفع عقيرته بتواشيح
(الضواحي وطرف المداين).
خليل فرح، فراشٌ رفّ بين تيجان الأزاهير، أودع قبلة حب على أوراق
زهرةٍ طفلة، أيقظها من مهجعها.
مصطفى بطران هو شاعر الطبيعة في ثوبها الحضري، ابن المدينة،
أما خليل فرح فقد غنّى كل المقامات.
بين أيدينا الآن توثيق لأدب رفيع، ينتقل فيه موكب الفرح، ووترٌ مشدود
بين "أم در" و"رفاعة"، بين مدائن الأصالة والحداثة.
وخليل، مركز الفرح وسامره، ثم يبدأ هامسًا وترانيم اللحن تغمر روحه:
"نادي عنان واتباعا"...
هكذا كان الاستهلال.
الإشارة إلى "عَنان" تفصح عن علو ثقافة الخليل، فهو يعيدنا إلى العصر
العباسي الأول، إلى الخليفة هارون الرشيد، ومجالس الأُنس في القصر المنيف، غناءٌ، أشعارٌ، رقصٌ، ومزهر.
و"عَنان" هي المغنّية الأثيرة.
كتب عنها علي الجارم، الشاعر المصري، ذات زمن:
"سرق التدلُّل من عنان، والتفنّن من وحيد،
يشدو كأن لهاته شدّت على أوتار عود."
هكذا كان الخليل: فنانًا، مثقفًا، ناظرًا بعمق إلى التراث العربي.
أورد "عَنان"، وجعلها استهلالًا لأغنيته الحلوة، فالوقت للغناء.
يحكي خليل بتفاصيل دقيقة انتقال ذلك الموكب الاحتفالي، وكأنه خيط نور
بين رفاعة وأم در.
وفي رفاعة، أُشعلت الأنوار بالثريات، وأنوارٌ أخرى أكثر جمالًا، حيث:
"تُضيء عيون الحور في الحدق." و"كشّة"، صاحب العُرس، تصليه لهفة، يدور في خلده صفيّة خليل فرح، وموكب النور الذي يترقّبه.
بدأ خليل أفندي تحيّته لرفاعة قائلًا:
"ضِلّ الشكرية الكابي
والشرف الأصلو ركابي"
وهذا يُفصح عن ثقافة الخليل
بمجتمعات السودان، ولعلّه اختار "الشكرية" و"الركابية" نموذجين أغنياه عن ذكر الآخرين،
ونحن نضيف:
العايداب، القبتاب، حي السوق، الحلّة الجديدة، حي الجناين وجميعها مرافيء إبداعٍ رصين.
تحية لرفاعة "أب سن"، تحية للحردلو، تحية لشاعر الوجدانيات جيلي عبد المنعم عباس، و"الهوى الأول".
ألتقيكم مع خليل في "أبوي ود مدني"،
ويا شوق، مالك؟ دَعني...
0 التعليقات