!نساء من ذلك الزمان
حسن أبو زينب عمر
وسط الخواء الذي يحيط بنا، والضياع الذي يعتصرنا، نجد بلسماً في العودة إلى الوراء، حتى تحت تأثير التخدير، هروباً من مطر لا يهطل إلا في عز الحريق، ليجدد عذابات الأرصفة.
(2)
في حوار مع الطيب صالح عام 1988 عن أحب الأغنيات إلى قلبه، كانت إجابته: "طلعت القمرة".
شاعرة هذه الأغنية هي فاطمة بنت أحمد محمد نور، وقد نظمت هذه الأغنية عقب الانتهاء من مراسم زواج ابن عمها الخير ود صالح، الذي تم في قرية ود كرار، إحدى قرى الجزيرة.
بعد انقضاء الزواج، تذكّرت قريتها فأصابها الحنين، وطلبت من العريس، الخير كثير العطاء، توصيلهم إلى قريتها.
(3)
تُذكرني شاعرة القصيدة بشاعرات ذلك الزمان، منهن بنونة بنت المك نمر، التي رثت أخاها عمارة، وكان فارساً مغواراً، لكن قَدَر الله له الموت على فراشه، فأنشدت:
ما دايرا ليك الميتة أم رمادا شَح
دايرك يوم لقا بدميك تتوشح
الميت مسولب والعجاج يكتح
أحي على سيفو البسوي التح
(4)
وتنداح الفروسية إلى تراث البجا، فيتحدث الرواة عن محمود الفلج.
تقول الرواية إنه طُلب منه ذات مرة أن يقود مسؤولاً إنجليزياً في منطقة بالقرب من هيا. أناخوا الجمال للاستجمام قليلاً لمعاودة السير ليلاً، وكان محمود يرغب في المبيت لغرض خاص به، ولكن المسؤول الإنجليزي رفض، فقتله محمود وهرب، فتم القبض عليه.
(5)
وتم نقله مقيّداً بالحديد إلى سواكن للمحاكمة. وأمام حشود من البشر، منهم أسراب من النساء تتصدرهم والدته، قرر الإنجليز إهانته وإذلاله أمام الملأ حينما طُلب منه الاستسلام.
(6)
لكن الذي خطف الأضواء كانت والدته، فلما شاهدته يتلوّى ألماً تحت سياط التعذيب، لم تلطم الخدود، ولم تشق الجيوب، ولم تُسرع إلى سوق الصاغة لبيع ذهبها لتدبير كلفة المحامي، بل سجلت حضوراً مهيباً، وشعراً يقول بلغة البداويت:
"للرجل قبر واحد، ولكن شهرته وسمعته دون حدود.
فإن كنت ابني حقاً، فلا تجعلهم يشمتون بك."
(7)
ماذا أصابنا يا ترى؟ هل انقلبنا نحن على الزمان، أم انقلب الزمان علينا؟
من ينقذنا من مستنقع:
"راجل المرة حلو حلاة"،
"دق الباب وجانا وأنا جريت له حفيانة. كنت فاكراه حبيبي"،
"ركبني عربيتو.. عرفني بي بيته.. دا متزوج وأنا قبلتو بيهو"،
"الحاج فوق الخمسين.. لكن يدفع الملايين"،
"الحاج نزل المعاش.. ومتكي في كرسي هزّاز.. لكن يدفع الكاااااااااش"؟
أعوذ بالله.
نقلا عن آكشن سبورت
0 التعليقات